وَقَالَ مَالِكٌ بِأَثَرِ ذَلِكَ إِنَّمَا يُوتِرُ (بَعْدَ الْفَجْرِ مِنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ حَتَّى يَضَعَ وِتْرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ اخْتَلَفَ السَّلَفُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْخَلَفُ بَعْدَهُمْ فِي آخِرِ وَقْتِ الْوِتْرِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَأَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ حَتَّى يَنْفَجِرَ الصُّبْحُ وَقْتٌ لَهُ إِذْ هُوَ آخِرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ
فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلُونَ لَا يُصَلَّى الْوِتْرُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا وَقْتُهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا وِتْرَ
وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَكْحُولٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ
وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ الْعَدَوِيِّ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ هِيَ الْوِتْرُ جَعَلَهَا اللَّهُ لَكُمْ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ (1)
وَذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي هَارُونَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا لَا وِتْرَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ
وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ لَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ
وَقَالَ آخَرُونَ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ فَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَلَا يُصَلِّي الْوِتْرَ
رُوِيَ هذا القول عن بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَعَائِشَةَ
وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل وأبي ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَجَمَاعَةٌ
وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي لِأَنِّي لَا أَعْلَمُ لِهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ
فَدَلَّ إِجْمَاعُهُمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ فِي مُرَاعَاةِ طُلُوعِ الْفَجْرِ أُرِيدَ مَا لَمْ تُصَلَّ صلاة الفجر