رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ وَشَرَعَ حَمْلَ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ كَامِلَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَمْلٌ لِجَمِيعِ الْأَجْزَاءِ لَهَا فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ جُزْءًا مِنْهَا عُشْرَ أَلْفٍ أَوْ نِصْفَ عُشْرٍ أَوْ ثُلُثًا لَا تَحْمِلُهُ وَتَحْمِلُ مَا فَوْقَهُ فَقَدْ قَالَ بِمَا لَا يُعَضِّدُهُ أَصْلٌ وَلَا شَيْئًا سُنَّ وَلَا جَاءَ بِهِ تَوْقِيفٌ عَمَّنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ
وَأَمَّا وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْحَجَّةُ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ أَلَّا يَحْمِلَ أَحَدٌ جِنَايَةَ غَيْرِهِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) الْأَنْعَامِ 164
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ فِي ابْنِهِ إِنَّكَ لَا تَجْنِي عَلَيْهِ وَلَا يَجْنِي عَلَيْكَ فَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا فِي دَمٍ وَلَا مَالٍ إِلَّا أَنْ تَخُصَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ إِجْمَاعٌ
وَقَدْ أَجْمَعَ أَنَّ مَا بَلَغَ الثُّلُثَ مِنَ الدِّيَةِ فَمَا زَادَ مَنَحَتْهُ الْعَاقِلَةُ
خَرَجَ ذلك مِنْ مَعْنَى مَا تَلَوْنَا وَبَقِيَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْأَصْلِ الْمَعْلُومِ فِي أَلَّا تَزِرَ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا) الْأَنْعَامِ 164
وَكَانَ اسْتِثْنَاءً مُجْتَمَعًا عَلَيْهِ مِنْ أَصْلٍ مُجْتَمَعٍ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ فَصَاعِدًا وَمَنْ قَالَ تَحْمِلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي تَحَمُّلِ الثُّلُثِ فَصَاعِدًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا نَقَصَ مِنَ الثُّلُثِ مَرْدُودًا إِلَى الْإِجْمَاعِ فِي أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ أَحَدٌ إِلَّا مَا جَنَتْ يَدُهُ لَا مَا جَنَى غَيْرُهُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَجَاوَزَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ) الْأَحْزَابِ 5
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ
وَمَا تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا وزر فيه