وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِنْ حَكَمْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ فَتَكُونُ الْآيَتَانِ مُحْكَمَتَيْنِ مُسْتَعْمَلَتَيْنِ غَيْرَ مُتَدَافِعَتَيْنِ
نَقِفُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي نَسْخِ الْقُرْآنِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ لَا تَنَازُعَ فِيهِ أَوْ لِسُنَّةٍ لَا مَدْفَعَ لَهَا أَوْ يَكُونُ التَّدَافُعُ فِي الْآيَتَيْنِ غَيْرَ مُمْكِنٍ فِيهِمَا اسْتِعْمَالُهُمَا وَلَا اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا أَنْ لَا يَدْفَعَ الْأُخْرَى فَيَعْلَمُ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ لَهَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ ايضا في اليهوديين مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا زَنَيَا هَلْ يُحَدَّانِ إِذَا رَفَعَهُمَا حُكَّامُهُمْ إِلَيْنَا أَمْ لَا
فَقَالَ مَالِكٌ إِذَا زَنَا أَهْلُ الذِّمَّةِ أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ فَلَا يَعْرِضُ لَهُمُ الْإِمَامُ إِلَّا أَنْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ فَيُدْخِلُوا عَلَيْهِمُ الضرر فيمنعهم السلطان من الاضرار بالمسلمين
قال مالك وَإِنَّمَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْيَهُودِ يَوْمَئِذٍ - ذِمَّةٌ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يُحَدَّانِ إِذَا زَنَيَا كَحَدِّ الْمُسْلِمِ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ إِنْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا فَلَنَا أَنْ نَحْكُمَ أَوْ نَدَعَ فَإِنْ حَكَمْنَا حَدَدْنَا الْمُحْصَنَ بِالرَّجْمِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا وَجَلَدْنَا الْبِكْرَ مِائَةً وَغَرَّبْنَاهُ عَامًا
وَقَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ لَا خِيَارَ لِلْإِمَامِ وَلَا لِلْحَاكِمِ إِذَا جَاءَهُ فِي حَدِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَهُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) التَّوْبَةِ 29 وَالصَّغَارُ أَنْ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْإِسْلَامِ
وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ حِينَ ذَكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّمَا رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودِيَّيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ
قَالَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ لَمَا أَقَامَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَإِذَا كَانَ مَنْ لَا ذِمَّةَ لَهُ قَدْ حَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الزنى فَمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَحْرَى بِذَلِكَ
قَالَ وَلَمْ يختلفوا ان الذي يُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ سَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي حَدِّ الْإِحْصَانِ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ