الاستذكار (صفحة 3348)

وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى (لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النِّسَاءِ 29 تَقْتَضِي النَّهْيَ عَنِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ أَخْذُهُ مِنْهُ كَمَا لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ يُقَالُ فَلَوْ لَمْ يُؤْذِنُوا لَنَا فِي الْكِتَابَةِ لَكُنَّا مُمْتَنِعِينَ مِنْهَا بِالْآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا

قَالَ وَلَوْلَا قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ (فَكَاتِبُوهُمْ) النُّورِ 33 مَا جَازَتِ الْكِتَابَةُ

قَالَ مَالِكٌ وَسَمِعْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم) النُّورِ 33 إِنَّ ذَلِكَ أَنْ يُكَاتِبَ الرَّجُلُ غُلَامَهُ ثُمَّ يَضَعُ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ شَيْئًا مُسَمًّى

قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَدْرَكْتُ عَمَلَ النَّاسِ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَنَا

قَالَ مَالِكٌ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَاتَبَ غُلَامًا لَهُ عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ مِنْ آخِرِ كِتَابَتِهِ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ

قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي معنى قوله تعالى (وءاتوهم من مال الله الذي ءاتاكم) النُّورِ 33 فَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ عَلَى الْإِيجَابِ عَلَى السَّيِّدِ وَقَالَ آخَرُونَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ

هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ

وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالُوا هَذَا عَلَى النَّدْبِ وَالْحَضِّ عَلَى الْخَيْرِ إِلَّا أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَصْلٌ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَا يَقْضِي بِهِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ

وَقَالَ آخَرُونَ لَمْ يُرَدْ بِذَلِكَ السَّيِّدُ وَإِنَّمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ جَمَاعَةُ النَّاسِ نَدَبُوا إِلَى عَوْنِ الْمُكَاتَبِينَ فَأَمَّا أَهْلُ الظَّاهِرِ فَالْكِتَابَةُ عِنْدَهُمْ إِذَا سَأَلَهَا الْعَبْدُ وَاجِبَةُ وَالْإِيتَاءِ لَهُمْ مِنَ السَّيِّدِ وَاجِبٌ يَضَعُ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ مَا شَاءَ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنْ كِتَابَتِهِ مَا شَاءَ وَيُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَهُوَ لَا يَرَى الْكِتَابَةَ لِغَيْرِهِ إِذَا سَأَلَهُ إِيَّاهَا وَاجِبَةً لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنِ الْإِيتَاءُ عِنْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَعْتَرِضُهُ أَصْلٌ وَرَأَى أَنَّ عَطْفَ الْوَاجِبِ عَلَى النَّدْبِ فِي الْقُرْآنِ وَلِسَانِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى) النَّحْلِ 90 وَمَا كَانَ مِثْلَ هَذَا

وَقَالَ مَالِكٌ يُنْدَبُ السَّيِّدُ إِلَى أَنْ يَضَعَ عَنْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ شَيْئًا فِي آخِرِ كتابته من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015