فَأَمَّا السَّلَفُ قَبْلَهُمْ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ مِنْهُ
أَنَّ الْمُكَاتَبَ إِنْ أُعْقِدَتْ لَهُ الْكِتَابَةُ فَهُوَ غَرِيمٌ مِنَ الْغُرَمَاءِ لَا يَرْجِعُ إِلَى الرِّقِّ أَبَدًا لِأَنَّهُ قَدِ ابْتَاعَ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ إِلَى اجل معلوم
وهذا قول تردده السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا
هكذا رواه الليث بن سعد عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ جاءت تستعينها في كتابتها ولم تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا
وَرَوَاهُ مَالِكٌ عن بن شِهَابٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ (جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كل عام أوقية فأعينيني فقالت عائشة إن أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدُّهَا لَهُمْ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ)
وَفِي حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ (إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقُكِ فَعَلْتُ)
فَهَذَا يَدُلُّ وَيُبَيِّنُ أَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ جَائِزٌ بَيْعُهُ لِلْعَتَاقَةِ إِذَا عُقِدَتْ كِتَابَتُهُ وَلَمْ يُؤَدِّ مِنْهَا شَيْئًا وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْقِدُ كِتَابَتَهُ حُرًّا غَرِيمًا مِنَ الْغُرَمَاءِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ
وَسَنَذْكُرُ اخْتِلَافَهُمْ فِي جَوَازِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ لِلْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
فَهَذَا وَجْهٌ وَاحِدٌ مِنْ وُجُوهِ اخْتِلَافِ السَّلَفِ فِي حُكْمِ الْمُكَاتَبِ وَقَوْلٌ مِنْ أَقْوَالِهِمْ
وَقَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهُ إِذَا عَجَزَ يُعْتَقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى وَيُوَرَّثُ وَيَرِثُ وَيُؤَدِّي بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنَ الْكِتَابَةِ
رُوِيَ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُؤَدِّي الْمُكَاتَبُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى دِيَةَ حُرٍّ وَبِقَدْرِ مَا رُقَّ مِنْهُ دِيَةَ عَبْدٍ)
هَكَذَا رَوَاهُ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَعُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَامٍ وَغَيْرُهُمْ