فَهُمْ لَا يَرَوْنَ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ ((عَلَيَّ الْمَشْيُ)) شَيْئًا حَتَّى يَقُولَ ((نَذَرْتُ)) أَوْ ((عَلَيَّ نَذْرُ مَشْيٍ)) أَوْ ((عَلَيَّ لِلَّهِ الْمَشْيُ)) وَذَا عَلَى وَجْهِ الشُّكْرِ لِلَّهِ وَطَلَبِ الْبِرِّ وَالْحَمْدِ فِيمَا يَرْجُو مِنَ اللَّهِ
فَالنَّذْرُ الْوَاجِبُ فِي الشَّرِيعَةِ إِيجَابُ الْمَرْءِ فِعْلَ الْبِرِّ عَلَى نَفْسِهِ هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ فِي مَسْأَلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حبيبة ما ينكزه وَيُخَالِفُ مَا فِيهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَذَلِكَ أَنَّهُ نَذَرَ عَلَى مُخَاطَرَةٍ وَالْعِبَادَاتُ إِنَّمَا تَصِحُّ بِالنِّيَّاتِ لَا بِالْمُخَاطَرَاتِ
وَهَذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ فِيمَا جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَلْزَمُ فَكَيْفَ يَلْزَمُهُ مَا لَا يَقْصِدُ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِ
وَفِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ خِلَافُ مَا رَوَى عَنْهُ غَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ فِيمَنْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ الْمَشْيَ إِلَى مَكَّةَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحَجَّ عَلَى نَفْسِهِ حَجًّا وَلَا عُمْرَةً
قَالَ أَبُو عُمَرَ إنما أدخل مالك حديث بن أبي حَبِيبَةَ هَذَا لِأَنَّ فِيهِ إِيُجَابُ الْمَشْيِ دُونَ ذِكْرِ النَّظَرِ
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ بن أَبِي حَبِيبَةَ كَانَ يَوْمَئِذٍ قَدِ احْتَلَمَ وَقَوْلُهُ ((ثُمَّ مَكَثْتُ حَتَّى عَقَلْتُ)) يُرِيدُ حَتَّى عَلِمْتُ مَا يَجِبُ عَلِيَّ لَا أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا لَا تَلْزَمُهُ الْعِبَادَاتُ وَعَلَى هَذَا يَجْرِي قَوْلُ مَالِكٍ الصَّغِيرُ لَا يَلْزَمُهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي بَدَنِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَكَذَا تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي مَعْنَاهُ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ فَمَشَى ثُمَّ عَجَزَ
979 - ذَكَرَ فِيهِ مَالِكٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ أُذَيْنَةَ اللَّيْثِيِّ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ جِدَّةٍ لِي عَلَيْهَا مَشْيٌّ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَجَزَتْ فَأَرْسَلَتْ مَوْلًى لَهَا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُرْهَا فَلْتَرْكَبْ ثُمَّ لِتَمْشِ مِنْ حَيْثُ عَجَزَتْ