والبعد: هو النأي بعينه. وقول عنترة في معلّقته:

حييت من طلل تقادم عهده ... ... ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم

والإقفار: هو الإقواء بعينه.] (?)

وقال أيضاً: [قوله: {فَمَحَوْنَآ آيَةَ الَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً} ... الوجه الثاني من التفسير أن الآية الكريمة ليس فيها مضاف محذوف، وأن المراد بالآيتين نفس الليل والنهار، لا الشمس والقمر.

وعلى هذا القول فإضافة الآية إلى الليل والنهار من إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ، تنزيلاً لاختلاف اللفظ منزلة الاختلاف في المعنى. وإضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف اللفظ كثيرة في القرآن وفي كلام العرب. فمنه في القرآن قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ}، ورمضان هو نفس الشهر بعينه على التحقيق، وقوله: {وَلَدَارُ الاٌّخِرَةِ}، والدار هي الآخرة بعينها. بدليل قوله في موضع آخر: {وَلَلدَّارُ الاٌّخِرَةُ} بالتعريف، والآخرة نعت للدار. وقوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} والحبل هو الوريد، وقوله: {وَمَكْرَ السَّيِّىءِ}، والمكر هو السيء بدليل قوله {وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ}.

ومن أمثلته في كلام العرب قول امرىء القيس: ...

كبكر المقاناة البياض بصفرة ... ... ... غذاها نمير الماء غير المحلل

لأن المقاناة هي البكر بعينها، وقول عنترة في معلقته:

ومشك سابغة هتكت فروجها ... ... ... بالسيف عن حامي الحقيقة معلم

لأن مراده بالمشك: السابغة بعينها. بدليل قوله: هتكت فروجها. لأن الضمير عائد إلى السابغة التي عبر عنها بالمشك.

وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة فاطر. وبينا أن الذي يظهر لنا: أن إضافة الشيء إلى نفسه مع اختلاف لفظ المضاف والمضاف إليه أسلوب من أساليب اللغة العربية. لأن تغاير اللفظين ربما نزل منزلة التغاير المعنوي. لكثرة الإضافة المذكورة في القرآن وفي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015