الذي هو كونه {مّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ} لا ترتّب له على ما قبله إلا مطلق الترتيب الذكري، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلكمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ثُمَّ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِى أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لّكُلّ شَىْء}، كما لا يخفى أن الترتيب فيه ذكري.
ومن أمثلة ذلك في كلام العرب قوله:
إن من ساد ثم ساد أبوه ... ... ... ثم قد ساد قبل ذلك جدّه] (?).
[قد علمت أن وجه العبارة بمن التي هي للعالم، في قوله تعالى: {أَم مَّنْ خَلَقْنَا}، عن السماوات، والأرض، والكواكب، هو تغليب ما ذكر معها من العالم كالملائكة على غير العالم، وذلك أسلوب عربيّ معروف] (?).
[وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مّن طِينٍ لاَّزِبٍ}، اللازب: هو ما يلزق باليد مثلاً إذا لاقته، وعبارات المفسّرين فيه تدور حول ما ذكرنا، والعرب تطلق اللازب واللاتب واللازم، بمعنى واحد، ومنه في اللازب قول عليّ رضي اللَّه عنه:
تعلم فإن اللَّه زادك بسطة ... ... ... وأخلاق خير كلها لك لازب
وقول نابغة ذبيان:
ولا يحسبون الخير لا شرّ بعده ... ... ... ولا يحسبون الشر ضربة لازب
فقوله: ضربة لازب، أي: شيئًا ملازمًا لا يفارق، ومنه في اللاتب قوله:
فإن يك هذا من نبيذ شربته ... ... ... فإني من شرب النبيذ لتائب
صداع وتوصيم العظام وفترة ... ... وغمّ مع الإشراق في الجوف لاتب] (?).