المنادى لكان في ذلك حذف جملة النداء، وحذف متعلّقه، وهو المنادى، فكان ذلك إخلالاً كبيرًا، وإذا أبقينا المنادى ولم نحذفه كان ذلك دليلاً على العامل فيه جملة النداء، وليس حرف النداء حرف جواب كنعم، ولا، وبلى، وأجل، فيجوز حذف الجمل بعدهنّ لدلالة ما سبق من السؤال على الجمل المحذوفة، فيا عندي في تلك التراكيب حرف تنبيه أكّد به ألا التي للتنبيه، وجاز ذلك لاختلاف الحرفين ولقصد المبالغة في التوكيد، وإذا كان قد وجد التوكيد في اجتماع الحرفين المختلفي اللفظ، العاملين في قوله: فأصبحن لا يسألنني عن بما به، والمتفقي اللفظ العاملين في قوله: ولا للما بهم أبدا دواء.
وجاز ذلك، وإن عدوه ضرورة أو قليلاً، فاجتماع غير العاملين وهما مختلفا اللفظ يكون جائزًا، وليس يا في قوله: يا لعنة اللَّه والأقوام كلّهم. حرف نداء عندي، بل حرف تنبيه جاء بعده المبتدأ، وليس مما حذف منه المنادى، لما ذكرناه. انتهى الغرض من كلام أبي حيان، وما اختاره له وجه من النظر] (?).
[قوله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} ... المعنى عن اليمين قعيد
وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أسلوب عربي معروف، وأنشد له سيبويه في كتابه قول عمرو بن أحمر الباهلي:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ... ... ... بريئاً ومن أجل الطوى رمان
وقول قيس بن الخطيم الأنصاري:
نحن بما عندنا وأنت بما ... ... ... عندك راض والرأي مختلف
وقول ضبائي بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ... ... ... فإني وقيار بها لغريب
فقول ابن أحمر: كنت منه ووالدي بريئاً أي كنت بريئاً منه وكان والدي بريئاً منه.