إذ غير جائز أن يتفق المسلمون على خلاف خبر النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يُرْووا عن النبي صلى الله عليه وسلم خبراً خلافه، فأما ما روى العراقيون أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بالمدينة في غير خوف ولا مطر، فهو غلط وسهو وخلاف قول أهل الصلاة جميعاً اهـ.
قال الحافظ في (الفتح 2/ 23 - 24): واحتمال المطر قال به أيضاً مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه، وقال بدل قوله بالمدينة: "من غير خوف ولا سفر". قال مالك: لعله كان في مطر، لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: من غير خوف ولا مطر". فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر، وجوز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض، وقواه النووي، وفيه نظر، لأنه لو كان جمعه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعاض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته، قال النووي: ومنهم من تأوله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلاً فبان أن وقت العصر دخل فصلاها، قال وهو باطل لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء اهـ. وكأن نفيه الاحتمال مبني على أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد، والمختار عنده خلافه، وهو أن وقتها يمتد إلى العشاء، فعلى هذا فالاحتمال قائم. قال: ومنهم من تأوله على أن الجمع المذكور صوري، بأن يكون أخر الظهر إلى آخر وقتها وعجل العصر في أول وقتها. قال: وهو احتمال ضعيف أو باطل لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل اهـ. وهذا الذي ضعفه استحسنه القرطبي ورجحه قبله إمام الحرمين وجزم به من القدماء ابن الماجشون والطحاوي وقواه ابن سيدالنسا بأن أبا الشعثاء وهو راوي الحديث عن ابن عباس قد قال به، وذلك فيما رواه الشيخان من طريق ابن عيينة عن عمرو بن دينار فذكر هذا الحديث وزاد: قلت: يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء، قال: وأنا أظنه. قال ابن سيد الناس: وراوي الحديث أدري بالمراد من غيره. قلت: لكن لم يجزم بذلك، بل لم يستمر عليه، فقد تقدم كلامه لأيوب وتجويزه لأن يكون الجمع بعذر املطر، لكن يقوي ما ذكره من الجمع الصوري أن طرق الحديث كلها ليس فيها تعرض لوقت