بها لو كان يفعل عن قصد، وأن علياً رضي الله عنه كان لا يراها موجبة لذلك في اعتقاده.
قال المازري: وكذا قول عمر: "إنكما جئتما أبا بكر، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً" وكذلك ذكر عن نفسه أنهما ريا كذلك، وتأويل هذا على نحو ماس بق. وهو أن المراد: أنكما تعتقدان أن الواجب أن تفعل في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على مقتضى رأيكما، لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه: لكنا بهذه الأوصاف، أو يكون معناه: أن الأيمان إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف، ويتهم في قضاياه، فكأن مخالفتهما لنا تشعر من رآها أنكما تعتقدان لك فينا. والله أعلم.
قال المازري: وأما الاعتذار عن علي والعباس رضي الله عنهما في أنهما ترددا إلى الخليفتين، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث، ما تركنا صدقة" وتقرير عمر رضي الله عنه، أنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما فيه: ما قاله بعض العلماء: أنهما طلبا أن يقسماها بينهما نصفين ينتفعان بها على حسب ما ينفعهما الإمام بها لو وليها بنفسه، فكره عمر أن يوقع عليها اسم القسمة لئلا يظن مع تطاول الأزمان: أنها ميراث، وأنهما ورثاها، لا سيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان: فيلتبس ذلك، ويظن أنهم تملكوا ذلك.
ومما يؤيد ما قلناه: ما قاله أبو داود: "أنه لما صارت الخلافة إلى علي رضي الله عنه، لم يغيرها عن كونها صدقة" وبنحو هذا احتج السفاح، فإنه لما خطب أول خطبة قام بها في الناس، قام إليه رجل قد علق في عنقه المصحف. فقال "أنشدك الله إلا ما حكمت بيني وبين خصمي بهذا المصحف، فقال: من هو خصمك؟ قال: أبو بكر، في منعه فدك. قال: أظلمك؟ قال: نعم. قال: فمن بعده؟ قال: عمر. قال: أظلمك؟ قال: نعم. وقال في عثمان كذلك. قال: فعلى ظلمك؟ فسكت الرجل، فأغلظ له السفاح".
قال القاضي عياض: وقد تأول قوم طلب فاطمة رضي الله عنها ميراثها من أبيها على أنها تأولت الحديث - إن كان بلغها - قوله صلى الله عليه وسلم: "لا نورث" على الأموال التي لها بال، فهي التي لا تورث ... لا ما يتركون من طعام وأثاث وسلاح. وهذا التأويل خلاف ما ذهب إليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعد نفقة نسائي، ومؤنة عاملي" فليس معناه: إرثهن منه، بل لكونهن محبوسات عن الأزواج لسببه، أو لعظم حقهن في بيت المال