أقول: إن عمدة القائلين بعدم جواز المبادأة ومباغتة العدو: حديث سلمان بن بريدة: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث خصال ... فإن أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم" (?).

وعمدة من قال بجواز المباغتة إن بلغتهم الدعوة: حديث نافع عن ابن عمر: "إن نبي الله أغار على بني المصطلق وهم غارّون، أنعامهم تسقي على الماء. فقتَل مقاتلته وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث" (?).

ولا أرى أن حديث نافع يناقض حديث سليمان بن بريدة إذا ما حرر موضع النزاع تحريراً دقيقاً، لأن أحداً لا يقول بقتال قوم لا يعلمون لماذا يقاتلون؟ وماذا عليم فعله .. وهذا ما أراد بيانه حديث سليمان.

أما مقصود حديث نافع فهو بيان جواز مباغتة القوم، فالحرب خدعة، بعد أن يكونوا قد بلغتهم الدعوة، فلا يسلم لشيخنا الغزالي قوله: (فإن رواية الصحيحين تشعر بأن الرسول صلى الله عليه وسلم، باغت القوم وهم غارون، ما عرضت عليهم الدعوة ... ولا بدا من جانبهم نكوص ولا عرف من أحوالهم ما يقلق، وقتال يبدؤه المسلمون على هذا النحو مستنكر في منطق الإسلام) (?).

أقول: لا يسلم لشيخنا هذا الاستنتاج إذ لا يفهم الحديث أن الواقع كذلك بل الواقع كما جاء على لسان الشيخ نفسه بعد صفحة: (إن الحديث بيّن مرحلة متقدمة من مراحل المعركة وأنه بعد وقوع الخصومة وقد أمسى كل فريق يعد العدة ..).

أقول: وبذلك تنسجم النصوص ولا نتهم رواية نافع ونتكلف في نقضها.

إنَّ فهْم الحديث على وجهه يغنينا عن تخطئة الآخرين، وتحريرُ محل النزاع أمر جوهري، ولقد كان الإمام النووي دقيقاً في تحرير محل النزاع إذ قال: (باب جواز الإغارة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015