والذي يظهر لي في هذه المسألة ما يلي:
إن المسلم الذي يعلم بدخول رمضان ينوي بفطرته صيامه وصيام كل يوم فيه لأن النية تكون بالقلب فلو دعاه إنسان إلى الغداء غداً وكان رمضان قد دخل فإنه يقول له: غداً رمضان ونحن صائمون .. وقد قال بعضهم: الإنسان العاقل المستيقظ المختار (أي الذي ليس مجنوناً ولا نائماً ولا مكرهاً) لا يمكن أن يعمل عملاً بلا نية ثم إن صلاة التراويح والسحور كل ذلك من مظاهر عقد النية على الصوم. والحالة التي يمكن أن يظهر الخلاف فيها فيما لو نام إنسان قبل المغرب إلى ما بعد طلوع الفجر من اليوم التالي من رمضان أو أسلم إنسان بعد طلوع الفجر أو فاسق لم يكن معتاداً للصوم هداه الله وقرر الصيام بعد طلوع الفجر وقبل منتصف النهار في مثل هذه الأحوال فقط يظهر الخلاف؛ فعلى رأي الحنفية أن هؤلاء لو نووا بعد طلوع الفجر أو قبل الزوال صيام ذلك اليوم صحت النية وجاز الصوم إذا لم يكونوا قد تناولوا مفطراً لأن ركن الصيام وهو الامتناع عن المفطرات قد وجد واجتمعت فيه شروطه من حيث الشخص والزمان والنية فوجب أن يصح صومه لأنه صام في وقت متعين للصيام شرعاً ولأن الصوم ركن واحد ممتد والنية لتعيينه لله تعالى فتترجح بالكثرة جانب الوجود. انظر الهداية وفتح القدير (2/ 303).
فهذه مسألة قليلة الوقوع وانحصر الخلاف بما ذكرنا ولا شك أن الاحتياط أولى ... وهو ما رآه الجمهور.
3699 - * روى مسلم عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: "قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: يا عائشة، هل عندكم شيء، قالت: قلت: يا رسول الله، ما عندنا شيء، قال: فإني صائم، قالت: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية- أو جاءنا زور- وقد خبأت لك شيئاً، قال: ما هو؟ قلت: حيس، قال: هاتيه، فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائماً".