نظام الأوقاف في الإسلام هو النظام المكمل لنظام الزكوات والصدقات وبه يتكامل نظام تكافلي يسع احتياجات الأمة، فإذا ما أضيف إلى هذه الأنظمة ما شرع في الإسلام من أحكام تضبط طرق التملك وتضبط توزع الثروة والمعاملات، وتضبط حقوق الدولة والأفراد، فإن نظاماً اقتصادياً فريداً يتميز به الإسلام عن غيره.
ونظام الأوقاف قام في الأمة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسعت فيه الأمة فيما بعد، وبنى عليه المحسنون فلم يتركوا باباً من أبواب الخير إلا وقفوا عليه وعلى القائمين به، وهناك كثيرون وقفوا على ذرياتهم فتطور الوقف في الأمة الإسلامية وتوسعت دائرته ولو أنه أحسنت صيانته وأحسن التعامل مع الأوقاف التي قدمتها لنا الأجيال السابقة، لكان لنظام الوقف دور كبير في سد حاجات كثير من الناس، وإغناء كثير من الناس، ولكن تسللت إلى كثير من العقول ما قامت به الثورة الفرنسية من تحجيم أوقاف الكنيسة وغلب على كثير من الناس الرغبة في أن تنقطع استمرارية كثير من الأوقاف، واستطاعت هذه الرغبات أن تفعل فعلها فحجم نظام الأوقاف.
ومما زاد الأمر سوءاً أن نظام الأوقاف يحتاج إلى أعلى درجات الضبط الإداري على ضوء الأحكام الشرعية، وهذا يقتضي ألا تسلم وزارة الأوقاف إلا لمن اجتمع له علم وضبط وأمانة وورع، ولم يتوافر هذا في كثير ممن استلموا وزارات الأوقاف في العالم الإسلامي.
ونظام الأوقاف نموذج على ضرورة الفقه والفقهاء والاجتهاد والمجتهدين. فالنصوص التي تحدثت عن الوقف قليلة ولكن مسائل الأوقاف توسعت على مر الزمن، وأنواع الأوقاف تعددت، وكان لابد من ضبط إداري محكم، وهذا كله يحتاج إلى فقهاء يفتون ويضبطون الأمور على معايير الشرع وموازينه، ولذلك تجد أبحاث الوقف في كتب الفقه والكتب التي ألفت في الفقه كبيرة وكثيرة، وكلها تفريعات على أصول قليلة.
فأبحاث الوقف دليل على احتياج الأمة للفقه والفقهاء، والاجتهاد والمجتهدين، ولعله من أهم الأمور التي تحتاج إلى إعادتها إلى نصابها العكوف في كل مكان على صكوك الأوقاف.