كذلك عرفت كيف أن هذا القرآن تتوالد منه معاني لا حصر لها، وهذه المعاني يكم لبعضها بعضاً فلا تتناقض، وهذا وحده شيء لا يدخل بعضه في قدرة البشر فكيف به مجتمعاً، فكيف إذا كان هذا بعض معجزات القرآن فكيف إذا أضيف هذا كله إلى كون القرآن معجزاً بأقصر سورة من سوره، فعليك يا أخي بهذا القرآن تعلماً وتعليماً، فهذه ميزة الربانيين الذين يركزون في تعليمهم على القرآن أكثر مما يركزون على أي شيء آخر. قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (?).
- ذكرنا أن هناك كتباً تسمى بالتفسير الإشارية وهي ليست من التفسير في شيء، وإن هناك كتباً في التفسير أدخلت التفسير الإشاري في مضمونها، وقد جرت العادة أن الصوفية هم الذين يهتمون بهذا النوع من الكلام وهو نوع من أنواع تداعى الأفكار بمناسبة قراءة القرآن، وهي في الأصل محاولة لتذكير السالك إلى الله بمعانٍ ترتبط باصطلاحات الصوفية في السلوك، وهذا الموضوع خطير جداً، فكثير من هذا التفسير الإشاري يكفر صاحبه إذا اعتقد أنه مراد الله من الآية، ثم ن بعض الصوفية ركزوا على هذا النوع من التفسير وأهملوا التفسير الحقيقي، وبعض من هؤلاء وصل إلى أن يشارك الفرق الباطنية الكافرة في اعتقادها أن للقرآن باطناً يخالف الظاهر، وأن االباطن هو المراد وقد وصل بعض الجاهلين إلى أن يستبيحوا لأنفسهم بحجة التفسير الإشاري، أن يقولوا بهذا القرآن بلا علم ولا حجة فدخلوا بذلك في دائرة يخشى على من تجاوز الحد فيها أن يكون من الكافرين وقد نبه صاحب مناهل العرفان على الشروط التي يكون التفسير الإشاري فيها مقبولاً، فإذا اختل شرط دخل الإنسان في دائرة الخطر إذا اعتقد أن ذلك تفسير للقرآن الكريم قال رحمه الله: إن التفسير الإشاري لا يكون مقبولاً إلا بشروط خمسة وهي:
(?) ألا يتنافى وما يظهر من معنى النظم الكريم.
(2) ألا يُدعى أنه المراد وحده دون الظاهر.
(3) ألا يكون تأويلاً بعيداً سخيفاً، كتفسير بعضم قوله تعالى: {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} يجعل كلمة "لمعَ" فعلاً ماضياً. وكلمة "المحسنين" مفعوله.