وأنزل الله تعالى في العام الذي نبذ فيه أبو بكر إلى المشركين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} الآية (?)، وكان المشركون يوافُون بالتجارة، فينتفع بها المسلمون، فلما حرَّم الله على المشركين أنْ يقربوا المسجد الحرام، وجد المسلمون في أنفسهم مما قُطع عليهم من التجارة التي كان المشركون يُوافون بها، فقال الله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ} ثم أحل في الآية التي تتبعُها الجزية، لم [تكن] تؤخذْ قبل ذلك، فجعلها عوضاً مما منعهم من موافاة المشركين بتجاراتهم، فقال عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (?): فلما أحل الله عز وجل ذلك للمسلمين: عرفوا أنه قد عاضَهُم أفضل مما خافوا ووجدوا عليه، مما كان المشركون يوافون به من التجارة.
وفي رواية (?) أبي داود، قال: بعثني أبو بكر فيمن يؤذنُ يوم النحر بمنى: أن لا يحُجُّ بعد العام مشركٌ، ولا يطوف بالبيت عُريانٌ، ويوم الحجِّ الأكبر: يوم النحر، والحج الأكبر: الحجُّ.
وللنسائي في رواية (?) صحيحة: قال أبو هريرة: جئت مع علي بن أبي طالب حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة ببراءة، قيل: ما كنتم تنادون؟ قال: كُنَّا ننادي: إنه لا يدخل الجنة إلا نفسٌ مؤمنة، ولا يطوفَنَّ بالبيت عُريانٌ، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدٌ، فأجلُه - أو أمده - إلى أربعة أشهر، فإذا مضت الأربعة الأشهر، فإن الله بريء من المشركين ورسوله، ولا يحُجُّ بعد العام مشركٌ، فكنت أنادي حتى صَحِلَ صوتي.