ليس هناك في هذا العالم كتاب أجدر من القرآن الكريم للاهتمام به ولا كتاب أعظم منه ولا أرقى ولا أعلى في كل شيء. وقد مر معنا حديث عن القرآن في قسم العقائد بمناسبة الكلام عن الكتب السماوية والدينية في هذا العالم، ومن خلال المقارنة بين القرآن وبين ما سواه من الكتب الدينية يدرك العاقل أي بعد سحيق بين علو القرآن وبين كتب الأديان كما آلت إليه بعد أن داخلها التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، وفي الأصل فقد جعل الله عز وجل لهذا القرآن من الخصائص الزائدة على كل كتاب أنزله من قبل ما يجعله أعظم كتاب أنزله الله تعالى، وإذا كان هذا محله بين الكتب السماوية التي هي أكمل الكتب وأرقاها وأسلمها وأصحها وأصدقها وأهداها فإنه لا يصح أن يقارن بكتاب سواه، بل المقارنة نوع من السخف والجنون، والاهتمام بكتاب الله تعالى له مظاهر متعددة منها: الاهتمام بعلومه وهو موضوع يتوسع على الزمن كعلم الإعجاز والمعجزات، وعلم القراءات، وعلم الناسخ والمنسوخ، وعلم المتشابه والمحكم إلى غير ذلك، كما أن الاهتمام به يقتضي تلقياً وتلقناً للقراءات المتواترة التي وصلتنا بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقتض معرفة بتفسيره، وإقبالاً على تلاوته وتدبره وحفظه ومعرفة أحكام التلاوة، وهذا الاهتمام بالقرآن بعضه تطالب به الأمة بمجموعها فهو من فروض الكفاية أو من سنن الكفاية وبعضه يطالب به كل مسلم إما كفرض عيني أو كسنة عينية، فمن فروض الكفاية مثلاً أن يوجد قراءة يحافظون على القراءات المتواترة، ومن فروض الكفاية أن يوجد متخصصون في علوم القرآن، ومن المطلوبات العينية في حق كل مسلم على اختلاف في درجة الطلب: إتقان تلاوة القرآن، ومراعاة أحكام الترتيل وحفظ ما أمكن منه، وأن يكون للمسلم ورده اليومي من تلاوة القرآن، وأن يتعرف على شيء من علومه ولو إجمالياً وأن يعرف ما ورد في السنة عن هذا القرآن وأن تكون له دراسة في القرآن ومدارسه واجتماع، وأن يعرف ما يستطيع معرفته من تفسير الراسخين في العلم لآياته، وأن يعرف أحكام التعامل مع القرآن والآداب المطلوبة من المسلم تجاه القرآن، وهذه الموضوعات كلها تطلب في مظانها من الكتب المؤلفة فيها أو عند أهلها المختصين فيها، ويستطيع المسلم المثقف اللبيب تحصيل الكثير منها بجهده الشخصي وبعضها لابد أن يأخذه من أهله كعلم القراءات مثلاً.