هذه المعاني وغيرها تعرض لها القرآن المكي وركز عليها، ولكنها ليست خاصة به بل هي سمة القرآن كله.
ومن ههنا لا نجد مسوغاً للتمييز بين التكليف المكي والتكليف المدني، فنحن الآن مكلفون بالإسلام كله ومن جملته المرحلة المكية.
في العهد المكي وجدت مرحلة سرية، وللمسلمين إذا وجدت ظروف أن يلجأوا إلى الدعوة السرية، ولكن هل نحن مقيدون أن تكون هذه المرحلة السرية في حدود تلك المرحلة؟ ثم إذا خرجنا منها ألا نعود إليها، إن الذين يريدون أن يفهموا المرحلة المكية كذلك لا يدركون حقائق هذا الإسلام، فالفتوى تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً، ونادراً ما تتكرر الظروف التي مرت في مرحلة بحيث تكن طبق الأصل، والشريعة الإسلامية جاءت لتلبي كل ظرف وكل وضع ولتعطيه الحكم المناسب المستخرج من الكتاب والسنة.
* * *
فإذا ما اتضح هذا الذي قدمناه وانتفى المحذور فإننا ننصح دارس القرآن الراغب في فهم المرحلة المكية أن يتأمل السور التي توصف بأنها مكية فإن ذلك يفتح عليه آفاقاً في الفهم والسلوك والدعوة، كما يعطيه كمالاً في فهم المرحلة من الناحية التاريخية والنفسية والعملية والتكليفية.
فمن خلال ذلك يدرك كيف تدرج التكليف، ويدرك الأوليات والأساسيات في هذا التكليف، ويدرك كيف تكامل البناء على الزمن، ويدرك لماذا استطاع هؤلاء العدد القليل أن يصهروا بعد ذلك أضعاف أضعافهم ثم استطاعوا هم ومن صهروهم أن يصهروا الشعوب والأمم، كما يستطيع أن يدرك مَن مِن الناس مؤهلون ومرشحون لبناء الدول والمحافظة عليها والتوسع من خلالها، إن هذا كله يتأتى لنا من خلال دراسة متأنية للقرآن المكي، وهذا شيء وأن تعتبر المرحلة المكية وحدها هي مناط التكليف شيء آخر، فنحن نحذر من هذا وندعو إلى ذاك.
* * *