تأملات في العهد المكي وتصويبات

أخذنا فيما مضى تصوراً إجمالياً عن المرحلة المكية، والتفصيل الكامل يحتاج إلى جهود كثيرة لا يطيقها فرد، واستكمال صورة العهد المكي يقتضي عرضاً للقرآن المكي ونقصد به القرآن الذي نزل قبل استقرار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة وهذا القسم من القرآن يكاد يكون نصف القرآن، والصحابة الذين عاصروا تنزل القرآن كان عندهم علم بأمكنة النزول وتسلسل النزول وأسباب النزول.

ولو أن هذا العلم وصلنا كاملاً لأمكن من خلاله أن نعرف المسيرة العلمية والتربوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأمكننا أن نعرف كيف كان التدرج في بناء النفس والأمة بشكل تفصيلي، وزيادة على ذلك فإنه كان بالإمكان أن نعرف تفاصيل دقيقة عن سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هذا العلم لم ينقل لنا بشكل تفصيلي كامل، وإذا نقل ففي حدود ضيقة، وذلك لأن الجيل الأول والأجيال اللاحقة لم يقدروا أن لذلك أهمية كبيرة ما دام ترتيب القرآن توقيفياً والله عز وجل هو الذي تولى ترتيبه، وقد رأينا في كتابنا (الأساس في التفسير) الحكمة بل المعجزة في هذا الترتيب.

ونتيجة لعدم وصول دقائق تاريخ النزول؛ فإن العلماء اجتهدوا في تحديد ترتيب نزول السور القرآنية، فكان عملهم اجتهادياً من ناحية وإجمالياً من ناحية أخرى، ولذلك فإذا ما تكلف متكلف أن يقدم عرضاً لأحداث السيرة من القرآن فالإجمال والاجتهاد هما عمله، نسجل هذا كأول ملاحظة على استحالة الفصل بين المرحلة المكية والمدنية من الناحية التشريعية البحتة، ومن ههنا ننطلق لنقول:

إن الذين يعتبرون المرحلة المكية إمامهم في العمل الإسلامي بمعنى أنهم مطالبون به وحدها ومكلفون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في حدودها فقط، هؤلاء جاهلون بالإسلام.

فالتشريع الإسلامي اكتمل والأمة الإسلامية مطالبة به كله، فهي مطالبة بالكتاب كله وبالسنة كلها، وبما استقر عليه التشريع في المرحلتين المكية والمدنية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015