لم يزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو الأمير الأنموذج عند أهل الدنيا وأهل الآخرة، فلقد انطبعت هذه الحقيقة في الأذهان حتى غدت بدهية، فما يكاد يكون حديث عن تصرفات نموذجية لأمير إلا وتقفز مباشرة إلى الأذهان صورة عمر رضي الله عنه.
لقد كان جسمه كاملاً بين الأجسام وهو شيء مهم في الإمرة النموذجية، كما أن له سابقته وفضله في المجتمع الذي قاده، وساسه، وذلك محل إجماع، وكذلك هذه شيء مهم في الإمرة النموذجية.
وكان على غاية من الجدية في حياته الخاصة والعامة، وهذا شرط الإمرة النموذجية لأنه بذلك تستمر هيبة الأمير وتتنامى.
وكان لا يميز أهله ولا نفسه عن العامة بشيء، وبذلك أبعد نفسه عن أي مظنة تهمة، وهذا مه في شخصية الأمير النموذجي.
وكان أرحم الناس بالعامة وأرفقهم بهم وأكثرهم لهم رعاية، فلا يضيع أحد في سلطانه، ويستشعر كل فر بحنانه، وهذا شرط في الأمير النموذجي.
وكان يترك اجتهاده لاجتهاد غيره إذا أحس أن الأمر سيدخل بعض الناس في زوايا حادة كما فعل في أراضي السواد إذ أخر تنفيذ اجتهاده حتى انتهت المعارضة، وهذا شرط في الأمير النموذجي. مع ملاحظة أن اجتاد عمر ألا تقسم الأراضي المفتوحة على الفاتحين وأن تبقى وقفاً على جميع المسلمين إلى قيام الساعة. كان اجتهاداً وافقه عليه أكثر الصحابة، واستدل له عمر بنصوص قرآنية وكان هذا وحده هو الذي يسع حاضر الأمة الإسالمية ومستقبلها، وكان فيه البركة ولا زلنا نرى بركة تصرفه حتى أننا في عصرنا نعتبر فعله حجة للإسلام على المذاهب التي تتحدث عن خطورة تركيز رؤوس الأموال بأيد قليلة. ومع قوة هذا الاجتهاد ووقوف أكثر الصحابة معه فقد جمد عمر هذه القضية لأن بعض الصحابة كانت له شبهة، فخشي أن يؤثر تنفيذ اجتهاده على وحدة الصف فجمد القضية ومن هاهنا ندرك أن الحزم عند عمر هو والحكمة توأمان.