ومعاشرتهم، وقد ينزل على غيره ضيفاً أو يستقبل الضيف ويقوم له بحق القِرَى. هذه الأحوال وغيرها تطرأ على الإنسان وتعرض له فيما يتعلق بجسمه وجوارحه فيحتاج في كل حال منها إلى هداية نافعة وأسوة كاملة.

وأعظم من الأسوة في أعمال الإنسان الظاهرة، الأسوة فيما يتعلق بخطرات القلوب ومجالات الفكر ونزعات العواطف، فنحن نشعر بين كل حين وآخر بنزعات وعواطف تخالج قلوبنا وأفكارنا، فنرضي ونسخط، ونفرح ونحزن وتعترينا السكينة والطمأنينة أو القلق والضجر، وتترتب على هذه الأحوال عواطف مختلفة ونوازع متعددة، وليس الخلق الحسن إلا التعديل بين هذه الأحوال، وإقامة الوزن بالقسط بين العواطف القوية والنوازع الثائرة، ولا يحظى بنصيبه من مكارم الأخلاق إلا الذي يعرف كيف يكبح النفس عند جموحها، ويحسن التصرف فيها وقت ثورتها، ومع ذلك فلابد للإنسان من إمام تكون له فيه الأسوة التامة في هذه الأمور، فيأتم به في قهر هذه القوى الثائرة والعواطف المتوثبة، إلى أن تسكن ثورة نفسه، ويسلك في ذلك مسلك قدوته الأعظم، وهو النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحمل بين جنبيه قلباً زكياً ونفساً طاهرة وروحاً عالية نزيهة.

وهكذا المرء في كل خلة من خلال العزيمة والشجاعة والشكر والتوكل والرضا بالقدر والصبر على النوائب والتضحية والقناعة والاستغناء والإيثار والجود والتواضع والمسكنة، وسائر ما يطرأ على البشر في منفسح حياتهم ومدى عيشهم، وما ربما يعتري هذه الخصال في ساعات مختلفة من مضطرب حياة الإنسان، فإنه يحتاج في كل ذلك إلى أسوة وهداية ممن سبق له العمل بذلك، وأنى لنا هذه الأسوة الكاملة والهداية التامة إلا في حياة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا كنت غنياً مثرياً فاقتد بالرسول صلى الله عليه وسلم عندما كان تاجراً يسير بسلعه بين الحجاز والشام، وحين ملك خزائن البحرين.

وإن كنت فقيراً معدماً فلتكن لك أسوة به وهو محصور في شعب أبي طالب، وحين قدم إلى المدينة مهاجراً إليها من وطنه وهو لا يحمل من حطام الدنيا شيئاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015