ولكن أن تعرف أين تلقي بذارك، فذلك مهم، وهذا معنى آخر من معاني السورة، ومظهر من مظاهر التكامل بين سورة قاف ومجموعتها.
وفي قوله تعالى إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ إعطاء درس بليغ للقائمين بأمر الدعوة، أن يعملوا على إحياء القلوب كنقطة بداية، وأن يكونوا قادرين على اجتذاب الأسماع إليهم، وطريق إحياء القلوب معروف: وهو الذكر، والمذاكرة، والفكر، وطريق اجتذاب الأسماع لله أن تحسن كيف تخاطب الإنسان، هذه مهمتنا، وما علينا إذا رفض الآخرون، وفي ذلك درس جديد، ومظهر من مظاهر التكامل ما بين سور المجموعة الخامسة.
وإذا كانت سورة الفتح حددت خصائص أهل الإيمان، وجاءت سورة الحجرات فأمرت ونهت، فأكملت بيان الخصائص، فإن سورة (ق) عند ما تبيّن خصائص أهل الجنة: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ* هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ* مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أو عند ما تأمر بالموقف المكافئ للكفر فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ* وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ* وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ ... أو عند ما تقول: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ إن سورة (ق) عند ما يكون فيها هذا كله تكمّل ما ذكرته سورة الفتح، وسورة الحجرات، من بناء لخصائص الجماعة المسلمة وأفرادها، وهكذا نجد في هذه المجموعة من قسم المثاني نموذجا على التكامل بين سور المجموعة الواحدة من مجموعات القسم الواحد.
رأينا أن قسم المثاني يتألف من خمس مجموعات، وقد رأينا أن كل مجموعة من مجموعاته تتكامل مع بعضها، وأن مجموعاته كذلك تتكامل مع بعضها. ولو أننا أردنا أن نضرب الأمثلة على التكامل بين سور قسم المثاني، أو بين مجموعاته لطال بنا المقام، فلنكتف ببعض الأمثلة: ورد في المجموعة الأولى من قسم المثاني في سورة العنكبوت حديث عن الامتحان، وعن النصر، وورد في هذه المجموعة كلام عن الزلزال في سورة