بذنوبهم مع هذه القوّة العظيمة، والبأس الشديد وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ أي: وما دفع عنهم عذاب الله أحد، ولا ردّه عنهم رادّ، ولا وقاهم منه واق.
ثم ذكر علة أخذه إياهم، وأنّها ذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها فقال تعالى: ذلِكَ أي:
الأخذ بِأَنَّهُمْ أي: بسبب أنهم كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ أي: بالدلائل الواضحات، والبراهين القاطعات فَكَفَرُوا أي: مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ أي: أهلكهم ودمّرهم إِنَّهُ قَوِيٌّ أي: ذو قوة عظيمة وبطش شديد شَدِيدُ الْعِقابِ أي: عقابه أليم شديد موجع إذا عاقب.
بدأ الكلام عن الكافرين في هذه السورة بقوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ* كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ* وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ.
ثم جاء كلام آخر عنهم في الآيات (10، 11، 12) وهو: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ* قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ* ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ.
وفي الآية (18) ورد قوله تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ.
وبعد ذلك تأتي آيتان لا تشعراننا بقبولهم الإنذار. ثم يأتي قوله تعالى: أَوَلَمْ يَسِيرُوا ... مما يشير إلى أنهم رفضوا الإنذار والله عزّ وجل يحذرهم أن يفعل بهم كما فعل بالمكذبين من قبل.
ونلاحظ أنّ هناك صلة بين الآيات التي تتحدّث عنهم: ما يُجادِلُ ... كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ ... فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ فالسورة إذن تصبّ في الكلام عن الكافرين في سيرها الرئيسي، وتذكّرهم