رأينا أن القسم الأول تلا علينا آيات الله في قصة موسى وفرعون، وفي هذه التلاوة معجزة تدل على أن هذا القرآن من عند الله. ثم جاء القسم الثاني ليبني على ذلك أن هذا القرآن من عند الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام الحجة على ذلك مرة، بعد مرة فإذا استقر ذلك بين الله عزّ وجل لرسوله أن الهداية لا تكون إلا بأمر الله، وأنها جارية على سنن، وأن مجرد محبته عليه الصلاة والسلام لهداية إنسان ليست كافية لهدايته، ثم ناقش أحد الصوارف عن هذا الدين، وهو خوف التخطف، ورد عليه ثم حذر من البغي على رسوله وأمته. ثم بشر. ثم ذكر رسوله صلى الله عليه وسلم بنعمته عليه بإنزاله عليه هذا القرآن وأمره- وهو أمر لكل أمته- بمجموعة أوامر هي الشكر على هذه النعمة.
بدأت السورة بقوله تعالى: طسم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ* نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ وبعد أن قص الله عزّ وجل علينا هذه الآيات بنى عليها ما تقوم به الحجة على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى أن هذا القرآن من عند الله، وأن موقف أهل العلم التسليم لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم بينت السورة أن الهداية بيد الله، وليست بيد أحد، وفي هذا السياق يأتي عرض الشبهة القطيعة المستمرة، وهي ترك الإسلام بحجة الأمن. وترد السورة على هذه الشبهة شيئا فشيئا وبطريقة بعد طريقة وترد في السياق إنذارات وتحذيرات من خلال عرض ما يكون في الآخرة، ومن خلال عرض أخذ قارون. ثم تأمر السورة في أواخرها رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة أوامر، يؤدي بها شكر نعمة الله عليه بإنزال هذا القرآن.
...
وقد أوردت السورة خصيصة من خصائص هذا القرآن وكانت السورة نموذجا عليها، هذه الخصيصة هي قوله تعالى: وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فقد وصل الله عزّ وجل هذا القرآن بأن وصل المعنى بالمعنى. فتجد القصة بجانب التقرير، بجانب الموعظة، بجانب الإنكار يربطه رباط جامع هو سياق السورة الخاص ضمن محورها في السياق القرآني العام. وقد رأينا في هذه السورة نموذج ذلك.
فمشاهد قصة موسى، ومجموعات القسم الثاني كل منها يعرض معنى، ويأتي ليعضد