وخدّرها فهي لا ترى إنما تتخيل. بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ سحرنا ساحر فكل ما نراه وما نحسه وما نتحركه تهيؤات مسحور.
يكفي تصورهم على هذا النحو لتبدو المكابرة السمجة ويتجلى العناد المزري.
ويتأكد أن لا جدوى من الجدل مع هؤلاء، ويثبت أن ليس الذي ينقصهم هو دلائل الإيمان، وليس الذي يمنعهم أن الملائكة لا تنزل، فصعودهم هم أشد دلالة وألصق بهم من نزول الملائكة. إنما هم قوم مكابرون. مكابرون بلا حياء، وبلا تحرج، وبلا مبالاة بالحق الواضح المكشوف.
إنه نموذج بشري للمكابرة يرسمه التعبير، مثيرا لشعور الاشمئزاز والتحقير.
ذكرنا أن محور هذه المجموعة من سورة الحجر هو مقدمة سورة البقرة وخاصة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وفي هذه المجموعة من الآيات رأينا أن الله أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ثم رأينا علل هذا الأمر في الفقرات الأربع التي جاءت بعد الأمر، وقد عرفنا من الآيات مواصفات الكفار الذين أصبح الإنذار وعدمه في حقهم سواء. وهم الذين همّهم الطعام والشراب والمتعة، واللاهون بالأمل، والسابّون للرسول، والمقترحون للآيات، والمستهزءون بالرسل، والمجرمون، والمؤولون للآيات إذا رأوها، وإذن فليس كل كافر لا ينذر وإلا لتعطّل الإنذار والتبليغ، وإنما من وصل إلى حالة من الكفر هذه مواصفاتها، ولكوننا لا نعلم- إلا بإعلام الله بالوحي وقد انقطع الوحي- أن كافرا قد أصبح كذلك فنحن مطالبون بالتبليغ والإنذار.
لقد رأينا أن الآية الأولى في هذه السورة تشير إلى أن في هذه السورة معجزات من معجزات هذا القرآن المبين، وأول ما نراه في المجموعة السابقة من هذه المعجزات هو هذا البيان العجيب في التصوير والعرض لمعان لا تخطر على بال بشر كقوله تعالى: وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا ... كما رأينا في الآيات من مظاهر الإعجاز هذا النوع الجازم من الكلام الذي ليس فيه مظهر من مظاهر الضعف البشري، ومن ذلك هذا الجزم في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ