فهمنا من الآية أن الأكل والتمتع في الدنيا والأمل هي كل شئ بالنسبة للكافر، وأن هذه القضايا الثلاث تشغلهم عن كل شئ، وإذا تأملنا حال الكافرين، وحاولنا أن نلخّص أحوالهم لم نجد أبلغ مما وصفهم القرآن به، وفي ذلك مظهر من مظاهر الإعجاز القرآني، إذ مثل هذه الإحاطة في النفس البشرية، وهذا البيان البليغ يخرجان عن طوق البشر، وفي الآية تنبيه عظيم للمؤمنين على أن إيثار التلذذ والتمتع والانشغال بالآمال الكاذبة وما يؤدي إلى طول الأمل وإلى أن تصبح هذه الأخلاق عميقة الجذور في النفس والقلب، كل ذلك ليس من أخلاق المؤمن، كما أنّ أمر الرسول صلّى الله عليه وسلّم بتركهم يشير إلى أنّ الواجب في حق هؤلاء ازدراؤهم واحتقار ما هم فيه، وأي ازدراء أكبر من أن يؤمر المكلّف بالتبليغ أن يترك من هذا شأنه! وفي عصرنا حيث تعتبر قضية الطعام والمتاع ميزان التقدم، وحيث تقوم الحركات السياسية كلها على تعليق نفس الإنسان بالآمال الدنيوية ندرك أهمية هذا التوجيه في التربية الإسلامية.
رأينا اختلاف العلماء في اللحظة التي يودّ الكافرون فيها لو كانوا مسلمين ولا شك أن ندامتهم تحصل لهم في كل لحظة يتاح لهم أن يراجعوا ما هم فيه، ومن ثم قصّ الله علينا قولهم يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وقصّ الله علينا قولهم رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ... وهكذا تعددت أقوال العلماء، لأن كلّا منهم نظر إلى ما قصّه الله علينا من
أمنية في مقام فذهب إلى أن الآية تريد هذا المقام، إلا أن هناك أربعة أحاديث يذكرها ابن كثير تعتبر نصا في الموضوع، حديثان منها رواهما الطبراني، وحديث رواه الطبراني وابن أبي حاتم، وحديث منها رواه ابن أبي حاتم، والأسانيد مختلفة ومعانيها قريبة من بعضها، ومن ثم نكتفي بذكر الحديث الرابع الذي أخرجه ابن أبي حاتم، وهذا هو:
«قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ومنهم- أي من المسلمين الذين أدخلوا النار- من تأخذه النار إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلى عنقه، على قدر ذنوبهم وأعمالهم، ومنهم من يمكث فيها شهرا ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثا بقدر الدنيا منذ خلقت إلى أن تفنى، فإذا أراد الله أن يخرجهم منها قالت اليهود والنصارى ومن في النار من أهل الأديان، والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله، فنحن وأنتم اليوم في النار سواء.