إن سورة إبراهيم عليه السلام تفصل في محورها، ومع ذلك فإن لها سياقها الخاص:
تبدأ بذكر الحكمة من إنزال القرآن، وتثني بأن ذلك كان هو الهدف من بعثة موسى عليه السلام، ثم تخاطب المكلفين ألا يرفضوا، ثم تلفت النظر إلى قدرة الله لتصل إلى مشهد من مشاهد يوم القيامة، ثم تذكر بكلمة التوحيد، ثم تأمر بالصلاة والزكاة، ثم تذكر بحقوق الحرم، فهي بذلك تذكر بأن الطريق إلى النور هو: كلمة التوحيد، والصلاة، والإنفاق، والحج، وإذ كان الكثيرون من الناس سيرفضون دعوة الله فإن المجموعتين الأخيرتين في السورة تذكران رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله يمهل ولا يهمل، وأن وعده آت لا محالة، ثم تأتي خاتمة السورة مذكرة بأغراض السورة
وهكذا شأن كل سورة من سور القرآن، لها سياقها الخاص، ولها محورها الذي تفصل فيه، وكل سورة لها محلها في السياق القرآني العام
إن التكامل واضح في سور المجموعة الأولى من قسم المئين، كما أن التكامل واضح بين هذه المجموعة وبين المجموعتين الأخيرتين من قسم المئين كما سنرى:
جاءت سورة يونس في هذه المجموعة فنفت الريب عن القرآن، وأكدت أنه هدى، ثم جاءت سورة هود فدلت على الطريق إلى الله، وعلى الطريق للاهتداء بكتابه والطريق هو العبادة لله وحده، ثم جاءت سورة يوسف فعمقت الإيمان بالقرآن وعمقت ضرورة الاهتداء به، ثم جاءت سورة الرعد فبينت أن للاهتداء وللضلال سننا، فمن تجنب سنن الضلال وتبع طرق الهداية فإنه يهتدي، وحتى لا يظن ظان أن الهداية تكون بلا هاد، وحتى يتعمق معنى السير في طريق الهداية، فقد جاءت سورة إبراهيم لتفصل في ذلك كله.
وهكذا نجد أن المجموعة الأولى من قسم المئين تشكل وحدة متكاملة فيما بينها، وتظهر لك هذه الوحدة على كمالها لو أنك وضعت محاور سور المجموعة من سور البقرة بجانب بعضها.
ونحن سنضع هذه المحاور بجانب بعضها لتتأمل الصلة بين الآيات، ثم لتدرك ما ذكرناه من تكامل، ثم لنتذكر ما قلناه من قبل إن محاور القسم- أو المجموعة في القسم- من سورة البقرة تشكل مع بعضها وحدة موضوعية.