[سورة إبراهيم (14): آية 46]
التفسير:

وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ قال ابن كثير: يقول تعالى: ولا تحسبن الله يا محمد غافلا عما يعمل الظالمون أي لا تحسبنه إذا أنظرهم وأجلهم أنه غافل مهمل لهم لا يعاقبهم على صنعهم، بل هو يحصي ذلك عليهم ويعده عليهم عدا إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ أي يؤخر عقوبتهم الكاملة لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ أي لا تقر في أماكنها من شدة هول ما ترى،

ثم ذكر تعالى كيفية قيامهم من قبورهم وعجلتهم إلى قيام المحشر فقال: مُهْطِعِينَ أي مسرعين مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ أي رافعيها لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أي لا يرجع إليهم نظرهم فينظرون إلى أنفسهم. قال ابن كثير: أي أبصارهم ظاهرة شاخصة مديمون النظر، لا يطرفون لحظة، لكثرة ما هم فيه من الهول والفكرة والمخافة، لما يحل بهم عياذا بالله العظيم من ذلك ولهذا قال: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ أي وقلوبهم خاوية خالية، ليس فيها شئ لكثرة الوجل والخوف، يقال: قلب فلان هواء إذا كان جبانا لا قوة في قلبه ولا جراءة،

ثم قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ أي يوم القيامة، أي أنذرهم يوم القيامة فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أي عند معاينة العذاب والذين ظلموا هم الكافرون رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أي ردنا إلى الدنيا وأمهلنا إلى أمد وحد من الزمان قريب؛ نتدارك ما فرطنا فيه من إجابة دعوتك واتباع رسلك فيقال لهم: وَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ أي حلفتم في الدنيا ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه، وأنه لا معاد ولا جزاء، ويحتمل أن يكون المراد بيوم يأتيهم العذاب يوم هلاكهم بالعذاب العاجل، ويحتمل أنه أريد به يوم موتهم معذبين بشدة السكرات، ولقاء الملائكة بلا بشرى بينما كانوا في وهمهم يعيشون، كأنهم خالدون

وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أي وقررتم في مساكن من سبقكم من الكفار مطمئنين طيبي النفوس سائرين سيرة من قبلكم في الظلم والفساد، لا تحدثونها بما لقي الأولون من أيام الله، وكيف كان عاقبة ظلمهم فتعتبرون وترتدعون وَتَبَيَّنَ لَكُمْ بالأخبار أو المشاهدة للآثار كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ إذ أهلكناهم وانتقمنا منهم وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ أي صفات ما فعلوا، وما فعل بهم، وهي في الغرابة كالأمثال المضروبة، والمعنى: أنهم قد رأوا، وبلغهم ما أحل الله بالأمم المكذبة قبلهم، ومع هذا لم يكن لهم فيهم معتبر، ولم يكن فيما أوقع الله بهم لهم مزدجر

ومن ثم قال وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ أي مكروا مكر الأقوام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015