في كتاب فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي».
ج- وروى مسلم ... عن أبي هريرة أيضا قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول:
«جعل الله الرحمة مائة جزء، فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا، وأنزل في الأرض جزءا واحدا، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابّة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه».
رأينا كيف أن المقطع ذكّر بنعمة الله على الإنسان في خلقه له النبات، والأنعام، وكيف أن بعض الخلق يحرّمون ما خلق الله لهم بدون علم. ثم إن المقطع بعد أن ردّ هذا التحريم، بيّن ما حرّم الله، وردّ على المشركين زعمهم من أن عقائدهم وأفعالهم دليل على رضا الله، ثم بين المحرمات الرئيسية. ثم أمر الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يعلن عن مجموعة من القضايا والالتزامات. ثم ذكّر الله البشر بنعمته عليهم، إذ جعلهم خلائف في الأرض؛ فسخّرها لهم، وجعلهم يتصرفون بها، ويملكونها، وما ينبغي أن يقابل ذلك بالقيام بحق الله.
وكل هذا سائر على النسق العام للسورة، بما يخدم سياقها الخاص، وبما يفصّل في محورها، وكلّ ذلك قد رأيناه.
ملاحظة: نلاحظ أن السورة تنقسم إلى قسمين كبيرين. القسم الأول من بدايتها إلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى والقسم الثاني من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى إلى خاتمتها. والملاحظ أن القسمين يكادان يكونان متساويين، من حيث الحجم، وهذه الملاحظة نلاحظها في كثير من السور. ولعلّ القارئ لحظ هذا فيما مر، وسيلحظه فيما يأتي، وإنما نبّهنا عليه هنا لوضوح ذلك في هذه السورة.
وقد يكون من حكمة ذلك أنه لو قرأ الإنسان في صلاة واحدة ركعتين مثلا، فإنه يستطيع أن يقف في الركعة الأولى عند القسم الأول، ليأخذ حظه في الركعة الثانية بتلاوة القسم الثاني. وفي ذلك نوع من التنسيق بين العقل، والقلب، والعبادة، ونوع من الترتيب، والتنظيم يتفق مع ما أراده الله لهذه الأمة من الكمال؛ بما أنزله عليها من هذا القرآن الكامل.
كرّرنا كثيرا أن محور سورة الأنعام هو قوله تعالى في سورة البقرة: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ* هُوَ الَّذِي خَلَقَ