وطريق السلامة في جميع الاعتقادات والعمليات، وفي الآخرة على صراط الله المستقيم المفضي إلى روضات الجنات، وفي الحديث: «القرآن صراط الله المستقيم، وحبل الله المتين». وبمناسبة كون هذا القرآن نورا وضياء فقد ختمت السورة بجواب استفتاء في قضية من قضايا الإرث، ليعلم أن التقوى هي في طاعة الله في كل شأن، والاستسلام لحكمه في كل قضية، أما الاستفتاء فهو سؤال عن إرث من لا والد له ولا ولد، وهو الكلالة، فبين الله- عزّ وجل- أنه إن مات امرؤ وليس له والد ولا ولد، وله أخت فلها نصف التركة، فإن كان لمن يموت أختان، فلهما الثلثان فريضة، وكذا ما زاد على الأختين في حكمهما. أما إذا كان الورثة للكلالة إخوة ذكورا ونساء، فيعطى الذكر مثل حظ الأنثيين. ثم بين الله حكمة هذا البيان فقال: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا.
أي: يوضح لكم فرائضه، ويحد لكم حدوده، ويبين لكم شرائعه لئلا تضلوا عن الحق بعد البيان. ثم يختم الله الآية والسورة بقوله وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. أي: هو عالم بعواقب الأمور، ومصالحها، وما فيها من الخير لعباده.
يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ البرهان: هو الدليل القاطع للعذر والحجة المزيلة للشبهة. وهل هو هنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو بصورته ومعناه، وصفاته، وخصائصه، ومعجزاته برهان قاطع على أنه رسول الله؟ أو المراد بالبرهان هنا القرآن الذي هو في خصائصه وصفاته وإعجازه وما فيه من المعجزات برهان على أنه من عند الله، وبرهان على وجود الله، وبرهان على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، قولان للمفسرين. وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً. أي: ضياء واضحا يضئ لكم، ويبين لكم كل قضية، فلا تبقى أمام عقولكم، ولا أمام قلوبكم ظلمة إلا أزالها، وهو القرآن الذي يستضاء به في ظلمات الحيرة.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ. أي:
بالله أو بالقرآن فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ. أي: في جنته وَفَضْلٍ. أي:
زيادة النعمة. وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ. أي: يرشدهم إلى الله أو إلى الفضل صِراطاً مُسْتَقِيماً. أي: طريقا لا عوج فيه، والهداية إلى الصراط المستقيم جزاء الإيمان بالله، والاعتصام بكتابه.
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ الكلالة: من لا والد له ولا ولد إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ الولد لفظ مشترك يقع على الذكر