بعضهم: خرج لعمرة، وقال بعضهم؛ خرج قارنا وإنما خرج ينتظر أمر الله، وعلم الله أنّها حجة لا يحج بعدها فجمع ذلك كلّه له في شهر واحد، ليكون جميع ذلك سنّة لأمّته، فلمّا طاف بالبيت ثم رأى أن يجعلها عمرة، وحبس من كان معه على هدي، لقوله تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ

[سورة البقرة، الآية: 196] فجمعت له العمرة والحج.

وقد قال قوم: إنّ الأربعة الحرم هي التي أجّلها رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين فقال:

فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

[سورة التوبة، الآية: 2] وهي شوّال- وذو القعدة- وذو الحجّة- والمحرّم. ثم قال: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ

[سورة التوبة، الآية: 5] وقال: إنّ الأربعة التي جعلت حلّا من عشر ذي الحجة إلى عشر من ربيع الآخر، وجعلها حرما، كما قال: مكّة حرم إبراهيم، والمدينة حرمي. وروي أيضا أنه حرم ما بين لابتي المدينة يعني حرّتيها، وفي آخر حرم ما بين عير إلى ور وهما جبلان. فأما قوله تعالى:

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ

[سورة البقرة، الآية: 197] فإنه يريد أوقات الحجّ أشهر، أو أشهر الحجّ أشهر. وهذا خطاب يدلّ على معرفة العرب بشهور معلومة كانوا فيها يحجّون، فأقرّ الله أمرها في الإسلام على ما كانت عليه ودعا إلى إقامة الحجّ فيها.

واعلم أنها أوقات الحجّ دون غيرها، وأنّ من فرض على نفسه فيها الحجّ فمن السنة أن يترك الرّفث والفسوق والجدال، ومعنى فرض الرّجل على نفسه الحج إهلاله به، والإهلال التّلبية، وأصله رفع الصوت. وروي عن الشّعبي وابن عمر أنّها شوّال- وذو القعدة- وذو الحجة- وقال بعضهم: له من ذي الحجّة عشر ليال، فكأنّه جعل الشّهرين وبعض الثّالث أشهرا، وهذا في القياس قريب لأنّه كما جاز أن يسمى الشّهر ذا الحجّة، وإن كانت الحجّة في بعض أيّامه، كذلك يجوز أن يسمّى شهر الحجّ، وإن لم يكن جميع أيّامه مصروفا إليه.

وحكي عن ابن عبّاس أنه قال: الأيام المعدودات أيام التّشريق، والأيّام المعلومات الأيام العشرة من أوّل ذي الحجّة. وقال عطاء: الأيام المعدودات أيام منى ويوم التّروية، سمّي بذلك لأنّهم كانوا يتروّون من الماء، ويتزوّدونه معهم، ويوم عرفة لا يدخله الألف واللام، وإنّما سمّي عرفة وعرفات، لأنّ من حضرها كانوا يتعارفون بها. وقال بعضهم: بل لأنّ جبرائيل عليه السّلام طاف بإبراهيم صلوات الله عليه يديره على المشاهد، ويوقفه عليها، ويقول له: حالا بعد حال عرفت عرفت، والعروف الحدود، والواحد عرفة. وقيل: سمّيت عرفة بذلك كأنّه عرف حدّه لتميزه عن غيره من الأرضين، ولكونه معرفة امتنع من دخول الألف واللّام عليه. وحكي؛ طار القطا عرفا عرفا، بعضها خلف بعض.

وأمّا الأعراف: فكل موضع مرتفع عند العرب ومنه قوله تعالى: وَعَلَى الْأَعْرافِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015