قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:70]، والضمير يعود إلى أهل العراق؛ لأن إبراهيم عليه السلام عراقي، {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:71]، والأرض التي بارك الله فيها للعالمين إنما هي أرض الشام، هذا كلام ابن زيد، وقتادة، والحسن البصري، وابن عباس، وأبي العالية وغير واحد من السلف، بل نقل ابن تيمية الإجماع على أن الأرض التي بارك الله تعالى فيها إنما هي أرض الشام، وخاصة أرض فلسطين وبيت المقدس.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله: معلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله تعالى ولوطاً من أرض الجزيرة والعراق إلى الأرض المباركة التي هي أرض الشام.
وقال ابن جرير: لا خلاف بين جميع أهل العلم أن هجرة إبراهيم كانت من العراق إلى الشام.
وقال تعالى عن نجاة موسى ومن معه بعد غرق فرعون: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأعراف:137]، والذي كان يستضعف إنما هو موسى عليه السلام ومن معه، فقد كان موسى عليه السلام يستضعف في بلاد مصر طغى عليه الطغاة وبغى عليه البغاة حتى أخرجوه منها، فأورثه تعالى أرضاً مباركة، لكن موسى عليه السلام لم يصل إلى بلاد الشام، بل أدركته المنية قبل الوصول إلى الأرض المباركة، قال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137]، فمشارق الأرض ومغاربها التي بارك الله تعالى فيها إنما هي أرض الشام كما قلنا من قبل.
وقال ابن تيمية: معلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.
وقال تعالى في آية أخرى في حديث موسى عليه السلام لقومه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} [المائدة:21]، أي: الطاهرة، النقية، الطيبة، المباركة، {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [المائدة:21]، والأرض المقدسة هي ما قلنا.
ومملكة سليمان وداود كانت على أرض القدس في فلسطين، لكن الخنازير اليهود أبعد الناس عن سليمان، وأبعد الناس كذلك عن داود، وهذا الهيكل المزعوم الذي تدعيه وتزعمه اليهود أبناء القردة والخنازير ليس معروفاً في تاريخ اليهود الأول، فمن أين أتوا به؟! إنما هي أكذوبات وافتراءات، قال الله تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [الأنبياء:81] تجري بأمر سليمان إلى الأرض التي بارك الله فيها وهي أرض فلسطين أرض الشام، {وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} [الأنبياء:81]، قال ابن تيمية: إنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان.
ولكن هؤلاء اليهود علاقتهم بسليمان وداود -بل علاقتهم بموسى وعيسى- منقطعة تمام الانقطاع.
وقال تعالى عن قصة سبأ في اليمن: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} [سبأ:18] أي: في الشام، {قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} [سبأ:18]، وهذا القرى الظاهرة إنما كانت قرى عامرة، ساكنة، آهلة بالطعام والشراب والسكان والثمار وغير ذلك من خيرات الله عز وجل، من اليمن إلى الشام، ولكن القوم كفروا وارتدوا عن دينهم: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19].
حكى أصحاب التفاسير وأهل العلم: أنه كان الواحد منهم إنما يحمل على رأسه شناً فإذا صار في الطرق تساقطت الثمار في هذا الشن حتى يمتلئ، دون أن يكلف نفسه قطف الثمار، إنما كانت تنزل في الوعاء حتى تملأه، فكفروا بهذه النعمة وقالوا: {رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19]، فما كانت هناك مسافات بين كل قرية وأخرى ظاهرة على الطريق، فأهلك الله عز وجل هذه القرى كلها، وباعد بين أسفارهم، قال: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} [سبأ:19]، أي بسبب كفرهم وردتهم، وكفرهم لنعم الله تبارك وتعالى عليهم، قال ابن تيمية: وهو ما كان بين اليمن مساكن سبأ وبين قرى الشام من العمارات القديمة.
وقال الله تعالى: (