وهناك في الحقيقة بشارات، والتفاؤل بالنصر هو مقدمة النصر، والقوة المعنوية في كل أمة هي التي تدفع أبناءها إلى تحقيق مزيد من الانتصار، فتصور حين يكون معك السلاح والعدد والعدة ولكنك مهزوم داخلياً، هل تنتصر؟ أبداً، قال عز وجل: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:249] يعني: بالإيمان، وهي التي تبرهن أنه لا يجوز اليأس في تحقيق السيادة للمسلمين في دين الله، وهي التي تبقي لأمة الإسلام أصالتها في المحافظة على العزة والقوة والكيان، مهما أصابها من كوارث وأحداث، والذي يغرس الأمل بالنصر هو وجود قيادة مؤمنة راسخة العقيدة قوية الإيمان بوعد الله وبنصره شديدة التمسك بتعاليم الإسلام، وآدابه وأخلاقه، مجردة من كل أنانية وعصبية جاهلية، هذه القيادة إما في السياسة والحكم، وإما في العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا تظن أن هذا أمر موجه للحكام فقط، بل هو موجه لكل من أنيطت به القيادة والريادة، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (ما من راعٍ يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة)، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).
إذاً: كل منا لابد أن يضرب بسهم عظيم في تحقيق تحرير المسلمين، والحفاظ على أعراضهم وأموالهم ودمائهم في شرق الأرض وغربها، فلا تقف مكتوف الأيدي، فـ صلاح الدين الأيوبي ونور الدين محمود زنكي وغيرهم من أعلام الأمة في طول التاريخ وعرضه هم مثلك بالضبط، هم كانوا جالسين جلستي مرة، وجالسين جلستك مرة أخرى، هم أفراد ولكن الله تبارك وتعالى وفقهم للعمل لدين الله عز وجل بجد وإخلاص، فلابد من بث هذه الروح، ولا تبق جالساً بجوار الحائط منتظراً حين يأتي صلاح الدين، فلن يأتي لك صلاح الدين؛ لأنك مطلوب أن تكون أنت صلاح الدين، مطلوب منك ذلك، وأنت تربي أولادك على ذلك، وامرأتك لابد لها من دور عظيم في تربية أبنائها على هذه الروح الجهادية ضد الكفر وأهله.
وقد اشتملت أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام التي ذكرناها آنفاً في فتح الشام وبيت المقدس على نقاط بارزة، ومنها بث روح الأمل في تمام أمر هذا الدين في نفوس الصحابة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهذا ينزع من القلوب اليأس والقنوط الذي يحاول الأعداء زرعه فيها من أن هذا الدين لا يصلح لأي زمان ولا لأي مكان، فنقول لهم: أنتم كذابون، والنبي هو الصادق عليه الصلاة والسلام، وكلما ضاقت الحلقات واشتدت الأمور واحلولكت الظلمة قرب الفرج واقتربت روح الفجر المشرق وعلو كلمة هذا الدين مرة أخرى، فأشد اللحظات ظلمة في الليل هي الأقرب إلى طلوع الفجر الصادق، قال الله تعالى: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:10 - 12]، يعني: أنهم قالوا: الله يقول لنا: سننتصر، كيف سننتصر على هذه الجيوش الجرارة؟! وهذا كذب من اليهود، ولذلك قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} [الأحزاب:22] أي: لينصرن الله عز وجل دينه وأولياءه مهما قل عددهم ما داموا قد حافظوا على إيمانهم الذي هو ميراث الحق تبارك وتعالى لأمة حبيبه عليه الصلاة والسلام.
ولذلك فما نراه اليوم من تكالب الأعداء علينا في جميع بقاع الأرض الإسلامية وما يلاقيه الدعاة إلى الله من التنكيل، والتعذيب، والتضييق على حرياتهم، وما يحدث لكثير من الشعوب الإسلامية من المذابح والمجازر التي تتم على أيدي أعدائنا في فلسطين، أو في البوسنة والهرسك، أو بورما أو كشمير أو غيرها من البلاد ما هو إلا إرهاصات ومخاض يتقدم التبشير، فلابد من التصفية وتميز الصف: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179]، ولا يبقى إلا الطيب الذي يتصدى لأعداء الله وأعداء رسله من اليهود والنصارى على أرض الشام وبيت المقدس، فينتقم منهم شر انتقام، ويلقنونهم درساً لا ينسونه أبداً، فهناك بشارات عظيمة جداً ينبغي ألا يذهب بنا اليأس شرقاً وغرباً.
وكذلك لابد أن نتجاوز هذا الواقع المر الشائن التائه الذي تعيشه أمتنا في هذه الأيام وهو مليء بالمآسي، والمصائب، والنكبات، والهزائم، والذل، والتنازلات، هذا الواقع الذي أوقع الكثيرين من المسلمين في اليأس والقنوط، وأصابهم بالفشل والإحباط، وأيقنوا باستحالة نصر المسلمين الصادقين، وصار