منها خرج القرآن والحديث والفقه والعبادة وما يتبع ذلك من أمور الإسلام، وخرج من هذه الأمصار بدع أصولية غير المدينة النبوية؛ فالكوفة خرج منها التشيع والإرجاء وانتشر بعد ذلك في غيرها، والبصرة خرج منها القدر والاعتزال والنسك الفاسد وانتشر بعد ذلك في غيرها، والشام كان بها النصب والقدر، أما التجهم؛ فإنما ظهر في ناحية خراسان، وهو شر البدع.
وكان ظهور البدع بحسب البعد عن الدار النبوية، فلما حدثت الفرقة بعد مقتل عثمان؛ ظهرت بدعة الحرورية.
وأما المدينة النبوية؛ فكانت سليمة من ظهور هذه البدع، وإن كان بها من هو مضمر لذلك؛ فكان عندهم مهانا مذموما؛ إذ كان بهم قوم من القدرية وغيرهم، ولكن كانوا مقهورين ذليلين؛ بخلاف التشيع والإرجاء في الكوفة، والاعتزال وبدع بالبصرة، والنصيب بالشام؛ فإنه كان ظاهرًا، وقد ثبت في"الصحيح" عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال لا يدخلها، ولم يزل العلم والإيمان بها ظاهرًا إلى زمن أصحاب مالك، وهم من أهل القرن الرابع1، فأما الأعصار الثلاثة المفضلة؛ فلم يكن فيها بالمدينة النبوية بدعة ظاهرة ألبتة، ولا خرج منها بدعة في أصول الدين ألبتة كما خرج سائر الأمصار".
الأسباب التي أدت إلى ظهور البدع:
مما لا شك فيه أن الاعتصام بالكتاب والسنة فيه منجاة من الوقوع في البدع والضلالة؛ قال تعالى: {مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}
وقد وضح ذلك النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه أبن مسعود رضي الله عنه؛ قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً؛ فقال: " هذا سبيل الله" ثم خط خطوطاً عن يمينه وعن