على طاعته بغير أمر الله، ولا يستحل دماءهم وأموالهم وديارهم بغير إذن الله؛ فمن ادعى أن الله أمره بذلك، ولم يكن أمره؛ كان كاذبا مفتريا ظالما، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} 1، وكان مع كونه ظالما مفتريا من أعظم المريدين علوّاً في الأرض وفساداً، وكان شرّاً من الملوك الجبابرة الظالمين؛ فإن الملوك الجبابرة يقاتلون الناس على طاعتهم، ولا يقولون: إنا رسل الله إليكم، ومن أطاعنا دخل الجنة، ومن عصانا دخل النار، بل فرعون وأمثاله لا يدخلون في مثل هذا، ولا يدخل في هذا إلا نبي صادق أو متنبىء كذاب؛ كمسيلمة والأسود وأمثالهما.
فإذا علم أنه نبي؛ لزم أن يكون ما أخبر به عن الله حقا، وإذا كان رسول الله؛ وجبت طاعته في كل ما يأمر به؛ كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} 2، وإذا أخبر أنه رسول الله إلى أهل الكتاب، وأنه تجب عليهم طاعته؛ كان ذلك حقا.
ومن أقر بأنه رسول الله، وأنكر أن يكون مرسلاً إلى أهل الكتاب؛ فهو بمنزلة من يقول: إن موسى كان رسولاً، ولم يكن يجب أن يدخل أرض الشام، ولا يخرج بني إسرائيل من مصر، وإن الله لم يأمره بذلك، وإنه لم يأمره بالسبت، ولا أنزل عليه التوارة، ولا كلمه على الطور، ومن يقول: إن عيسى كان رسول الله، ولم يبعث إلى بني إسرائيل، ولا كان يجب على بني إسرائيل طاعته، وإنه ظلم اليهود ... وأمثال ذلك من المقالات التي هي أكفر المقالات.
ولهذا قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً} 3.