الكذاب بمثل ما يؤيد به الصادق، بل لا بد أن يفتضح الكذاب، وقد يمهله الله ثم يهلكه.
ومنها: أن طريقتهم واحدة فيما يأمرون به من عبادة الله، والعمل بطاعته، والتصديق باليوم الآخر، والإيمان بجميع الكتب والرسل؛ فلا يمكن خروج واحد منهم عما اتفقوا عليه؛ فهم يصدق متأخرهم متقدمهم، ويبشر متقدمهم بمتأخرهم؛ كما بشر المسيح ومن قبله بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكما صدق محمد صلى الله عليه وسلم جميع النبيين قبله.
ومن دلائل النبوة: تأييد الله للأنبياء؛ فقد علم من سنة الله وعادته أنه لا يؤيد الكذاب بمثل ما يؤيد الصادق، بل يفضح الكذاب ولا ينصره، يل لا بد أن يهلكه، وإذا نصر ملكا ظالما؛ فهو لم يدع النبوة ولم يكذب عليه، بل هو ظالم سلطه الله على ظالم مثله؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} 1؛ بخلاف من قال: إن الله أرسله، وهو كاذب؛ فهذا لا يؤيده تأييدًا مستمرًا، لكن يمهله مدة ثم يهلكه.
والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما هو دون دعوى النبوة؛ فكيف بدعوى النبوة؟! ومعلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكمله، وإما أن يكون من أنقص الخلق، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم ودعاهم إلى الإسلام؛ فقال له: "والله لا أقول لك كلمة واحدة، إن كنت صادقا؛ فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا؛ فأنت أحقر من أن أرد عليك"؛ فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم؟!.