وبَعْث الرسل نعمة من الله على البشرية؛ لأن حاجة البشرية إليهم ضرورية؛ فلا تنتظم لهم حال، ولا يستقيم لهم دين؛ إلا بهم، فهم يحتاجون إلى الرسل أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الله - سبحانه - جعل الرسل وسائط بينه بين خلقه، في تعريفهم بالله وبما ينفعهم وما يضرهم، وفي تفصيل الشرائع، والأمر والنهي والإباحة، وبيان ما يحبه الله وما يكرهه؛ فلا سبيل إلى معرفة ذلك إلا من جهة الرسل؛ فإن العقل لا يهتدي إلى تفصيل هذه الأمور، وإن كان قد يدرك وجه الضرورة إليها من حيث الجملة.
قال الله تعالى: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيه} 1.
وحاجة العباد إلى الرسالات أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطبيب؛ فإن غاية ما يحصل بعدم وجود الطبيب تضرر البدن، والذي يحصل من عدم الرسالة تضرر القلوب، ولا بقاء لأهل الأرض إلا ما دامت آثار الرسالة موجودة فيهم، فإذا ذهبت آثار الرسالة من الأرض؛ أقام الله القيامة.
والرسل الذين ذكر الله لأسماءهم في القرآن يجب الإيمان بأعيانهم، وهم خمسة وعشرون، منهم ثمانية عشر ذكرهم الله تعالى في قوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ ... } إلى قوله: {وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} 2، والباقون - وهم سبعة - ذكروا في آيات متفرقة.
ومن لم يسَّم في القرآن من الرسل؛ وجب الإيمان به إجمالاً؛ قال تعالى: {ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} 3، وقال تعالى: {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ} 4.