ابن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية [يعني: قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... } 1 الآية، ونفى أن يعلم أحد معناه، وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: تمر كما جاءت، نهوا عن تأويلات الجهمية، وردوها، وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بيِّنة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية، يقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها؛ فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا، وأن لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يبين ويفسر باتفاق الأئمة؛ من غير تحريف له عن مواضعه، أو إلحاد في أسماء الله وآياته".

هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله، وحكاه عن الأئمة والسلف؛ أنهم لا يجعلون نصوص الصفات من المتشابه الذي لا يفهم معناه ويجب تفويضه، بل كانوا يعلمون معاني هذه النصوص ويفسرونها، وإنما يفوِّضون علم كيفيتها إلى الله - عز وجل؛ كما قال الإمام مالك وغيره: "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة".

قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: "وأما قوله تعالى: {مَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} 2؛ فللناس في هذا المقام مقالات كثيرة جدّا، ليس هذا موضع بسطها، وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا، وهو إمرارها كما جاءت؛ من غير تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل، والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله؛ فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 3، بل الأمر كما قال الأئمة؛ منهم نعيم بن حماد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015