[الأربعون النووية]

[خطبة الإمام النووي]

الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ العَالمِينَ، قيومِ السَّماوَاتِ وَالأَرَضِينَ، مُدبِّرِ الخَلائِقِ أَجْمَعِينَ، بَاعِثِ الرُّسُلِ صَلَوَاتُهُ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم إلَى الْمُكَلَّفِينَ؛ لِهِدَايَتِهمْ وَبيَانِ شرَائِعِ الدِّينِ، بالدَّلَائلِ الْقَطْعِيَّةِ وَوَاضِحَاتِ الْبَرَاهِينِ، أَحْمَدُهُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ، وَأَسْأَلُهُ الْمَزِيدَ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ.

وَأَشْهدُ أَنْ لَا إلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، أَفْضَلُ المَخْلُوقِينَ، المُكَرَّمُ بالْقرآنِ الْعَزِيزِ الْمُعجِزَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى تَعَاقُبِ السِّنِينَ، وَبِالسُّنَنِ الْمُستَنِيرَةِ لِلْمُسْترشِدِينَ، الْمَخْصُوصُ بجَوَامِعِ الْكَلِمِ وَسَمَاحَةِ الدِّينِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى سَائرِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرسَلِينَ، وَآلِ كُلٍّ وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَاتٍ بِرِوَايَاتٍ مُتنَوِّعَاتٍ: أَنَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ حَدِيثًا مِنْ أَمْرِ دِينِهَا بَعَثَهُ اللهُ تَعَالَى فَقِيهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي زُمْرَةِ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ».

وَفِي رِوَايَةٍ: «بَعَثَهُ الله تَعَالى فَقِيهًا عَالِمًا».

وَفِي رِوَايَةِ أبي الدرداء: «وَكُنْتُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شَافِعًا وَشهِيدًا».

وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ: «كُتِبَ فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ , وَحُشِرَ فِي زُمْرَةِ الشُّهَدَاءِ». وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ حّدِيثٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَثُرَتْ طُرُقُهُ (?).

وَقَدْ صَنَّفَ الْعُلَمَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْمُصَنَّفَاتِ، فَأَوَّلُ مَنْ عَلِمْتُهُ صَنَّفَ فِيهِ: عَبْدُ اللَّهِ بنُ المُبَارَكِ، ثُمَّ مُحَمَّد بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ الْعَالِمُ الْرَّبَّانِيُّ، ثُمَّ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الأَصْفَهَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ، وَأَبُو عُثْمَانَ الصَّابُوييُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنْ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ، وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَونَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتأَخِّرِينَ.

وَقَدِ اسْتَخَرْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِي جَمْعِ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا؛ اقْتِدَاءً بِهَؤُلَاءِ الأَئِمَّةِ الأَعْلَامِ، وَحُفَّاظِ الإِسْلَامِ، وَقَدِ اتَّفَقَ العُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْعَمَلِ بالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ (?) (?)، وَمَعَ هَذَا فَلَيْسَ اعْتِمَادِي عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ، بَلْ عَلَى قَوْلهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ» (?)،

وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِيَ فَوَعَاهَا, فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا» (?).

ثُمَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ الأَرْبَعِين في أُصُولِ الدِّينِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْفُرُوعِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْجِهَادِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الزُّهْدِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الآدَابِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْخُطَبِ، وَكُلُّهَا مَقَاصِدُ صَالِحَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ قَاصِدِيهَا.

وَقَدْ رَأَيْتُ جَمْعَ أَرْبَعِينَ أَهَمَّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ؛ وَهِيَ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا مُشْتَمِلَةً عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ، وَقَدْ وَصَفَهُ الْعُلَمَاءُ بأَنَّ مَدَارَ الإِسْلَامِ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ نِصْفُ الإِسْلَامِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

ثُمَّ أَلْتَزِمُ فِي هَذَهِ الأَرْبَعِينَ أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً وَمُعْظَمُهَا فِي "صَحِيحَي الْبُخَارِي وَمُسْلِمٍ"، وَأَذْكُرُهَا مَحْذُوفَةَ الأَسَانِيدِ؛ لِيَسْهُلَ حِفْظُهَا وَيَعُمَّ الانْتِفَاعُ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ثُمَّ أتبِعُهَا بِبَابٍ فِي ضَبْطِ خَفِيِّ أَلْفَاظِهَا.

وَيَنْبَغِي لِكُلِّ رَاغِبٍ فِي الآخِرَةِ أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الأَحَادِيثَ؛ لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُهِمَّاتِ، وَاحْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ.

وَعَلَى اللَّهِ اعْتِمَادِي، وَإِلَيْهِ تَفْوِيضِي وَاسْتِنَادِي، وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ (?)، وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.

بسم الله الرحمن الرحيم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015