بابٌ في ألفاظٍ حُكي عن جماعةٍ من العلماء كراهتُها وليست مكروهة

مدخل

...

بابٌ في ألفاظٍ حُكي عن جماعةٍ من العلماءِ كراهتُها وليستْ مكروهةً:

1943- اعلم أن هذا البابَ مما تدعو الحاجةُ إليه لئلا يغترّ بقولٍ باطلٍ ويعوّل عليه.

1944- واعلم أن أحكامَ الشرع الخمسة، وهي: الإِيجابُ، والندبُ،

والتحريمُ، والكراهةُ، والإباحةُ؛ لا يثبتُ شيءٌ منها إلا بدليلٍ، وأدلة الشرع معروفةٌ، فما لا دليلَ عليه لا يلتفتُ إليه، ولا يحتاجُ إلى جوابٍ؛ لأنه ليس بحجةٍ، ولا يُشتغل بجوابهِ؛ ومع هذا فقد تبرعَ العلماءُ رحمهمُ الله، في مثل هذا بذكرٍ دليلٍ على إبطالهِ، ومقصودي بهذه المقدمةِ أنّ ما ذكرتُ أن قائلاً كرههُ، ثم قلتُ: ليس مكروهاً، أو هذا باطلٌ، أو نحو ذلك، فلا حاجةً إلى دليل على إبطاله، وإن ذكرتهُ كنتُ متبرّعاً به، وإنما عقدتُ هذا الباب لأُبيِّن الخطأَ فيه من الصواب، لئلا يُغترّ بجلالةِ مَن يضافُ إليه هذا القولُ الباطل.

1945- واعلم أني لا أُسَمِّي القائلين بكراهةِ هذه الألفاظ لئلا تسقطَ جلالتُهم ويساءُ الظنّ بهم، وليس الغرض القدح فيهم، وإنما المطلوب التحذير من أقوال باطلةٍ نُقلت عنهم، سواءٌ أصحّتْ عنهم، أم لم تصحّ، فإن صحَّتْ لم تقدحْ في جلالتهم كما عرف، وقد أضيفُ بعضُها لغرضِ صحيحٍ: بأن يكونَ ما قالهُ مُحتملاً، فينظر غيري فيه، فلعلّ نظرهُ يخالفُ نظري، فيعتضدهُ نظرهُ بقولِ هذا الإمامِ السابقِ إلى هذا الحكمِ، وبالله التوفيقُ.

1946- فمن ذلك ما حكاهُ الإمامُ أبو جعفرٍ النحاسُ في كتابهِ: "شرح أسماء الله تعالى سبحانهُ" عن بعض العلماءِ أنه كره أن يُقال: تصدّق الله عليكَ، قال: لأن المتصدّقَ يرجُو الثواب.

قلتُ: هذا الحكم خطأ صريحٌ، وجهلٌ قبيحٌ، والاستدلال أشدُ فساداً.

1947- وقد ثبت في "صحيح مسلم" [رقم: 686] ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في قصرِ الصلاةِ: "صدقةٌ تَصَدَّقَ اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فاقْبَلُوا صدقتهُ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015