في نفسه الهواجس وتحيط به الظنون يخشى أن تتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق؛ لذلك فهو يحتاج إلى إيمان يملأ قلبه ويربطه بالكون مخلوقًا، وبإله الكون خالقًا حتى يعلم الإنسان سبب وجوده، ومصيره المحتوم بعد رحلة الحياة وكذلك حتى يعلم الإنسان ما علاقته بالكون، وما هي الصلة بينه وبين غيره من المخلوقات كل ما في الكون قد خلق للإنسان.
أما الإنسان نفسه فقد خُلِقَ لله جل في علاه؛ لمعرفته وعبادته، وأداء أمانته في الأرض، وكفى بهذا شرفًا وفخرًا؛ فالإنسان سيد في الكون عبد لخالقه وحده؛ ومن ثم فإن الدين ضرورة في حياة الإنسان من أجل معرفة غاية الوجود الإنساني، فبالدين يعرف الإنسان لوجوده غاية، ويعرف لمسيرته وجهة ويعرف لحياته رسالة، وبهذا يحس أن لحياته قيمة ومعنى، ولعيشه طعمًا ومذاقًا، وأنه ليس ذرة تافهة تائهة في الفضاء، ولا مخلوقا سائبًا يخبط خبط عشواء في ليلة ظلماء كالذين جحدوا الله، أو شكوا فيه، فلم يعرفوا لماذا وجدوا، ولماذا يعيشون، ولماذا يموتون، كلا إنه لا يعيش في عماية، ولا يمشي إلى غير غاية، بل يسير على هدى من ربه وبينة من أمره، واستبانة لمصيره بعد أن عرف الله، وأقر له بالوحدانية. أما الذي قال:
لبست ثوب العيش لم أستشر ... وحرت فيه بين شتى الفكر
وسوف أمض الثوب عني ولم أدرِ ... لماذا جئت أين المفر
أو ما قاله الآخر:
جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت.