الروحي والديني والنفسي في ظل الحضارة المادية المعاصرة لا يعني اختفاء الدين، وإنما هو دليل صدق، وبرهان حق على عجز الحضارة المادية المعاصرة أن توفي بحق الإنسان، وحاجته، ورغبته في حياة أفضل.
لقد أيقظت تلك الحضارة في الإنسان غريزة الشهوة، فتحول إلى حيوان كل همه الوصول إلى نزواته، والحرص على شهواته، لكنها قتلت فيه الإنسان صاحب المشاعر، مرهف الحس والعواطف، الميال إلى الخير، فتحول إلى قطيع، همه اللقمة والشهوة، وصدق ربنا -عز وجل- وهو يلخص لنا حياة الكافرين بقوله وهو أصدق القائلين: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} (محمد: 12) إن الابتعاد عن النور اقتراب من الظلام، ولكن ليست كل الناس يجافي الحق ويجانب الصواب، ويظل طول عمره يتردَّى في الضلالة، بل يذهب الزبد جفاء، ويبقى ما ينفع الناس، حتى وإن كثر الزبد وقل ما ينفع الناس {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} (الرعد: 17) فمهما قل المحقون وكثر المبطلون، فلا يغررك تقلبهم في البلاد، وكما قال تعالى أيضًا: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} (يوسف: 103).
وفي الحديث الصحيح: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله))، إن السحب الداكنة، وإن كدرت رائعة النهار لا تستطيع أن تلغي وجود الشمس، وساعة ما تزول السحب تبقى الشمس ساطعة مشرقة حتى يُؤذن لها بالغروب، إن شمس الدين، وفهم التدين سيظلان في ضمير الإنسان إلى نهاية الوجود. إن الإنسان قد وُلد متدينًا بأصل فطرته، ينزع إلى فكرة التأليه والعبادة، وإن ناله الخطأ، أو كان حظه الإسفاف والانحراف.