إلى السيطرة على العالم، ويظهر أن هذا التراجع الفكري نشأ عن عدم قدرة العقل الإنساني على مجاراة الوحي في تجريد الذات الإلهية وتنزيهها، بعدما فُقد الموجهون أو قلوا.
فقد رمزت الديانة الزرادشتية إلى قدرة الذات الإلهية برمزين ماديين محسوسين؛ أحدهما النور ممثلًا في الشمس، والآخر النار، ومن ثمّ كان حرص الديانة الزرادشتية على أن يوقد في كل هيكل من هياكلها شعلة من النار، وأن تبقى مضيئة متوهجة يتعاهدها رجال الدين الموابذة والهوابذة، فيقدمون لها وقودًا من خشب الصندل وغيره من الأعشاب والمواد العطرية، وترتل حولها الأدعية وتقام الصلوات، وقد بدأ الانحراف بالمبالغة في شأن الرمز كعادة الإنسان دائمًا حتى انتهى بتقديس النار وعبادتها لذاتها، بعد أن كانت مجرد رمز لقدرة الإله، ثم أشركوا مع النار في التقديس بدرجة أقل من النار، الماء والتراب والهواء، وهكذا الإنسان في كل زمان ومكان، يبدأ انحرافه عن الحق بالمبالغة في تقدير بعض الأشياء أو المظاهر أو الناس، ثم لا يلبث هذا التقدير أن يلبس ثوب التقديس؛ ليحلّ الزيف محل الحقيقة، والباطل محل الحق، حتى يتدخل الوحي أو الرجوع إلى الوحي الصحيح لتصحيح مسار الإنسان وتوجيه العقل أو الفطرة المستقيمة إلى الصراط المستقيم.
وقد يبدأ هذا الانحراف، وينتهي إلى نتائجه السيئة في دورٍ من أرقى أدوار الحضارة المادية لأمة من الأمم إن سُمي هذا التقدم المادي البحت حضارة، كما قد يبدأ تصحيح مسار الإنسانية في دورٍ من أسفل أدوار الانحطاط البشري المادي والعقلي أيضًا، وينتهي إلى نتائج عظيمة وخيرة للمادة والمعنى إن صح المثل.