ولا ينبغي اتباع رجل هو مثل غيره في الصورة والنفس والعقل، يأكل مما يأكل غيره ويشرب مما يشربون، والله عزيز حكيم، والحكيم لا يرسل الرسل ولا يأمر بما يقبح في العقول، والرسل قد قالوا بما يقبح في العقول، مثل الطواف بالبيوت والأركان والمنازل، ومن يدري إنهم سيعصون ولا يطيعون لأن الإرسال حينئذ عبث.

والقول بإرسال الرسل يكون لإخراج الناس من الضلال إلى الإيمان، والله تعالى حكيم قادر، والأولى به في حكمته والأتم لمراده أن يضطر العقول إلى الإيمان من غير إرسال رسل، ولذلك بطل عندهم إرسال الرسل. هذه الأدلة وغيرها أوردها ابن حزم والشهرستاني، ورد عليها بتفصيل، وإجمال الرد أن العقل الإنساني له طاقته المعينة، الدائرة في إطار محدود، وهو قاصر عن المعرفة الكاملة والهداية التامة.

والرسالة لا تغفل العقل وإنما تأتي لتوجيهه نحو الخير، في المجال الذي لا يدركه وحده ما دام تصور هذا المجال معقولًا، وحينئذ فإرسال الرسل وبعث الأنبياء ضرورة يقررها العقل، ويحتاج إليها فلا معنى لإنكارها، وأيضًا فإن الرسول يأتي لقوم ليسوا جميعًا عاصين، بل منهم من يطيع ومنهم من يعصي.

ولذلك فإرسال الرسل محقق للغرض منه، وفي كون الرسول من البشر فائدة للإنسان نفسه؛ لأن الله يختار رسولًا متميزًا بالخلق والطاعة والعصمة، والبشرية مما تمكنه من تقبل الوحي، وفي نفس الوقت يبلغه للناس بلغتهم فيفهم ويؤلَف، ولو كان رسول من غير البشر لنفر منه الناس، وللزم أن يتشكل بصورة البشر ليألفه الناس، ويتمكن من إبلاغهم، وحينئذ فلا فرق بين أن يكون بشرًا أو في صورة البشر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015