النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ * يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: 37 - 40).
من هذا الخبر الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، نحكم مستيقنين أن دعوة إلى التوحيد قد وردت للمصريين، فهذا يوسف -عليه السلام- وهو في السجن يدعو صاحبيه إلى الدين القيم، وهجر عبادة ما سموه آلهة، ولقد مكن الله ليوسف في أرض مصر، واستولى على خزائن الدولة وصار ذا سلطان مبين فيها، وهو رسول من رب العالمين، فلا بد أن يكون قد دعاهم جهرة إلى الدين القيم، ولا بد أن يكون قد أجابه منهم أناس ونكص عن الإجابة غيرهم.
ولعل أروع ما في العقيدة المصرية القديمة: اعتقادهم الحياة الآخرة وأنها الباقية بعد هذه الدنيا الفانية، فقد كانت الدنيا في نظرهم فترة قصيرة بعدها حياة لها أمد غير محدود، وقد قام اعتقادهم بالحياة الآجلة بعد هذه العاجلة على أساسين:
أحدهما: أن هذه الدنيا معترك يتنازع فيه الشر والخير، وكثيرًا ما نرى الشر ينتصر على الخير، فلو لم يكن هناك يوم كله للخير وكله على الشر، يحاسب المسيء على إساءته ويكافأ المحسن بإحسانه، ما استقام العدل الإلهي.
ثانيهما: اعتقادهم في النفس الإنسانية، فهم يعتقدون وجود نفس تنفصل عن الجسم، وإن كانت تحل فيه، وهذه النفس متصلة بالعالم الإلهي ما دام الإنسان على قيد الحياة، فإذا مات اتصلت به اتصالًا وثيقًا. وكان المصريون يعتقدون أيضًا أن الميت أو روحه في العالم الآخر، يحتاج إلى ما يحتاج إليه الأحياء في الدنيا من طعام وشراب، وأن ما يقدم من ذلك في الدنيا يكون قربانًا على أرواح الأموات،