واستنادهم إلى أنه هو كلمته التي ألقاها إلى مريم، فليس في ذلك ما يبرر الألوهية والتثليث؛ لأن كلمة الله تعالى هي أمره: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يس: 82).
والمسيح تكوّن في بطن أمه، وخرج إلى الدنيا بأمر الله وكلمته، فهو كلمة الله بهذا المعنى، ألا ترى أن الحاكم يصدر الأمر ويتكلم بالكلمة فتنفذ، وتحول إلى بناء يقام أو مدينة تشيد، فيقال عن ذلك: كلمة الحاكم وأمره، والأمر شيء والمأمور به شيء آخر، فعندما يُخلق إنسان بكلمة ويظهر في الوجود بأمره لا يقال أبدًا الذي تكلم الكلمة وأمر بها، ومظهره وما تكونت به شيء واحد، ولا يقال: إن الذي تكلم الكلمة هو الشيء الذي تكوّن بها ومنها، فالنار التي أطفئت بأمر الله وكلمته، ولم تصب إبراهيم ليست هي الذي أمر وتكلم وقال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الأنبياء: 69).
والروح هي القدرة والمسيح خلق بقدرة الله، وهو ليس وحده بل آدم كذلك، ونحن أيضًا كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} (السجدة 8، 9) إن ما تزعمه النصرانية فوق مستوى العقول والنقول، وذلك ما اعترفوا به هم أنفسهم، وذكرنا من ذلك ما قاله القس توفيق في كتابه (سر الأزل) إن تسمية الثالوث باسم الأب والابن والروح القدس، تعتبر أعماقًا إلهية وأسرارًا سماوية، لا يجوز لنا أن نتفلسف في تفكيكها وتحليلها، أو نلصق بها أفكارًا من عندنا.
ثم ذكر في كتابه (التثليث والتوحيد): الثالوث سر يصعب فهمه وإدراكه، هل يكلف الإنسان بما فوق فهمه وإدراكه، ما الداعي لهذه الطلاسم والألغاز، ثم في النهاية يكون العذاب الأبدي. إن العقل لا يصدق تجسد الإله، وإن كان أن