ومن بعد أدلة القرآن وأدلة الأناجيل، أنتقل إلى إبطال دعوى ألوهية المسيح أو التثليث بدليل عقلي:
لقد كتبوا في الإنجيل أن الرب صعد فصار عن يمين الرب في أثر الصلب، فأخبرونا عن هذين الربين: مَن خلق منهما صاحبه؟ فالمخلوق منهما ضعيف عاجز ليس بإله، وإذا أراد أمرًا لمن الحكم منهما؟ فإن كان أحدهما مضطرًا إلى مشاورة الآخر ومساعدته، كان المضطر عاجزًا مقهورًا، ولم يكن إلهًا قادرًا، وإن كان قادرًا على مخالفته ومدافعته فهو إذًا إله مداهن، ويكون الآخر ضعيفًا عاجزًا مقدورًا عليه، والقرآن الكريم يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (الأنبياء: 22) ويقول: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} (المؤمنون: 91).
ومن عجب التناقض اتفاقهم على أن التثليث: آب، وابن، وروح قدس، وأن كل واحد من هذه الثلاثة لا يبصَر، ولا يلحقه ما يلحق الخليقة، مع أن عيسى كان يُبْصَر ويُبصِر ويجوع ويشبع ويأكل، وغير ذلك من صفات الخليقة، ثم جعلوه الابن من تلك الثلاثة، ويلحقه ما ليس يلحقها.
فإن قالوا: إن نصفه هو إله تام والنصف الآخر ليس بإله، فيلزمهم أن يقولوا: يا نصف المسيح ارحمنا، وإذا قيل لهم: من إلهكم؟ يقولون: هو نصف المسيح، وكيف يكون نصفه خالقًا ونصفه معبودًا لنصفه وليس بإله تام، وهذا مأخوذ من قولهم: لَمّا لم يكن أن ينتقم الله من عبده آدم لسقوط منزلة العبد، انتصف من