والنصارى يقرون له أنه روح من الله في حجاب من تراب، كما قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} (الحجر: 29) ولئن كان من حيث إنه بدون أب، فإنه يلزم أن يكون آدم أولى منه بهذه الألوهية أو تلك البنوة؛ لأنه بدون أب ولا أم، بل خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وأسكنه جنته، ولما لم يبعد خلق آدم من التراب، لم يبعد أيضًا خلق عيسى -عليه السلام- من الدم، الذي كان يجتمع في رحم أمه، ولذلك قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران: 59).
وربما زعموا له بالألوهية لأنه كان يحيي الموتى. نقول: ألم يكن ذلك بإذن الله، وكذلك هل كل من يحيي الموتى يحكم له بالألوهية؟ إذًا فعليهم أن يؤمنوا بألوهية إبراهيم، فقد أحيا الله على يديه الموتى، وبألوهية العزير قد أحيا الله له الموتى، وكذلك بألوهية إلياس النبي، فقد أحيا الموتى وكذلك اليسع كما ورد هذا في العهد القديم، فلم تظلمون بعضًا دون بعض.
وكذلك أنطق الله الشاة المسمومة لنبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- فلماذا يكون عيسى ابنا لله من دون الخلق، والابن يكون لحاجة الأب إليه في كبر سنه، وليس لله -عز وجل- حاجة فهو الغني عن العالمين، أو ليكون امتدادًا لسيرة والده من بعده، والله تعالى حي لا يموت، فلا حاجة لعيسى إذًا.
ولئن كان عيسى ابنًا لله ألا تكون له خاصية وميزة على بقية الخلق، كما قال تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الزمر: 4) فكان جديرًا بهذا الولد أن يكون فيه شبه من أبيه وميزة على من سواه، وتنزه عن نقائص بني آدم، ولكن القرآن الكريم يحدثنا