وقد حكى القرآن ذلك {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (البقرة: 146) وكما سبق في ذكر الآية: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: 89).
إنهم حسدوا النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وأبوا الإيمان به حسدًا من عند أنفسهم؛ لأنه لم يكن من بني إسرائيل، وإنما كان من بني إسماعيل، ومن ثَمَّ كانت لهم مطالب متعنتة على سبيل التحدي والتعجيز؛ لإظهار النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- بمظهر العاجز عن إجابة مقترحاتهم حين طلبوا منه أن يكلمهم الله، فقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (البقرة: 118).
ومن وسائلهم التي اتبعوها في طعنهم في نبوة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومحاولتهم إنكار أن يكون القرآن منزلًا من عند الله حتى قالوا ما جاءنا محمد بشيء نعرفه، فأنزل الله فيهم {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} (البقرة: 99).
وجادلوا النبي -عليه الصلاة والسلام- في شأن إبراهيم وملته؛ فردَّ الله -عز وجل- عليهم بقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (النحل: 120) وزعموا أن إبراهيم كان يهوديًّا، كما زعمت النصارى أن إبراهيم كان نصرانيًّا، ورد الله -عز وجل- عليهم بقوله: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نصرانيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران: 67) مخاطبًا إياهم بالحق الذي ينبغي أن يعرفوه: {يَا أَهْل الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ