بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العشرون
(مقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية في: الله، والنفس، والمصير)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
بعد أن حدثتك عن زرادشت والزرادشتية؛ من حيث التأسيس والنشأة والتطور، ومن حيث المصادر والعقائد؛ ها أنا ذا أعقد مقارنة بين عقائد المانوية والزرادشتية؛ في الله والنفس والمصير. ونذكر عقيدة زرادشت في الله - عز جل، ثم نقارنها بعقائد المانوية.
وخلاصة ما جاء به زرادشت من جديد في الديانة، أنه أنكر الوثنية وجعل الخير المحض من صفات الله، ونزل بإله الشر إلى ما دون منزلة المساواة بينه وبين الإله الأعلى، وبشر بالثواب وأنذر بالعقاب، وقال بأن خلق الروح سابق لخلق الجسد، وحاول جهده أن يقصر الربانية على إله واحد، موصوف بأرفع ما يفهمه أبناء زمانه من صفات التنزيه، وليست المجوسية كلها من تعاليم زرادشت، أو تعليم كاهن واحد من كهان الأمة الفارسية، فقد سبقه الفرس إلى عقائدهم، في أصل الوجود وتنازع النور والظلام، ولكنه تولى هذه العقائد بالتطهير، وحملها على محمل جديد من التفسير والتعبير.
فالمجوس كانوا يعتقدون أن هرمز وأهرمن، مولودان لإله قديم يسمى زروان ويكنى به عن الزمان، وأنه اعتلج في جوفه وليدان، فنذر السيادة على الأرض والسماء لأسبقهما إلى الظهور، فاحتال أهرمن بخبثه وكيده، حتى شق له مخرجا من الوجود، قبل هرمز الطيب الكريم، فحقت لأهرمن سيادة الأرض والسماء، وعز على أبيهما أن ينقض نذره، فأصلحه بموعد ضربه لهذه السيادة، ينتهي بعد تسعة آلاف سنة، ويعود الحكم بعده لإله الخير خالد بغير انتهاء، ويؤذن له يومئذ في القضاء على إله الشر، وتبديل غياهب الظلام.
وزعموا أن مملكة النور ومملكة الظلام، كانتا قبل الخليقة منفصلتين، وأن هرمز طفق في مملكته يخلق عناصر الخير والرحمة، وأهرمن غافل عنه في قراره السحيق، فلما نظر ذات يوم ليستطلع خبر أخيه، راعه اللمعان من جانب مملكة أخيه، فأشفق على نفسه من العاقبة، وعلم أن النور يوشك أن ينتشر ويستفيض، فلا يترك له ملاذا يعتصم به، ويضمن فيه البقاء، فثار وثارت معه